جمال عنقرة يكتب في (تأملات) الحرية والتغيير .. لا تدعوا الفرصة تفوتكم
حرصت علي تجنب إستخدام مختصر اسم قوي إعلان الحرية والتغيير “قحت” رغم أن هذا الاختصار من بنات أفكارهم، لكنني تحاشيته لما وضعه عليه بعض خصومهم من ظلال سالبة، لا سيما الذين ينطقونه ويكتبونه هكذا “قحط”، ذلك أني أحاول تجنيب هذا المقال أي ظلال سالبة يمكن أن تصنع حواجز بينه وبين القراء، لا سيما منسوبي قوي الإعلان، ولعلي بذلك أعود إلى أيام الثورة الأولي التي ارتضي فيها سودانيون كثر – وأنا واحد منهم – أن تكون قوي الإعلان ممثلة لكل المكون المدني، رغم أنها لا تمثلهم جميعا، وفي تقديري – وتقدير كثيرين – أن قوي الإعلان، وتحديدا مجموعة الأربعة التي سيطرت علي مركزيتها اضاعت تلك الفرصة التاريخية بحرصها علي تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، ووضع أياديها علي أكبر مساحات من السلطة، ولأطول فترة ممكنة، وحرصت كذلك علي محاصرة وتصفية خصومها، حقا وباطلا، لا سيما منسوبي ومحسوبي النظام السابق من الإسلاميين، وأعضاء حزب المؤتمر الوطني، والذين توالوا معهم من القوي والأحزاب الأخري، الأمر الذي أكسبهم خصومات وعداوات كثيرة، وزادوا عليها إستعداء العسكريين جميعا، وكذلك قطاعا واسعا من الحركات المسلحة الأركان الرئيسة في سلام جوبا.
إتفاق نوفمبر العام الماضي بين السيد البرهان والدكتور حمدوك الذي عاد بموجبه الدكتور عبد الله حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء، وأعاد الحياة مرة أخري لقوي إعلان الحرية والتغيير، أعاد لهم الفرصة مرة أخري لقيادة السودان والسودانيين إلى مرحلة جديدة مستفيدين من أخطاء التجربة الأولي التي لم يستثمروها، ولكنهم عادوا إلى ذات السياسات القديمة التي أفقدتهم أقرب الأقربين، وكانت سياساتهم تلك السبب الرئيس الذي اضطر الدكتور حمدوك إلى تقديم استقالته من رئاسة مجلس الوزراء، ومغادرة البلاد.
خطاب البرهان الأخير أعاد الفرصة مرة أخري لقوي الإعلان ليعيدوا فرصة تلاقي السودانيين لبناء نظام سياسي يحقق الإستقرار والأمن والأمان للسودان، ولكنهم نظروا إلى الخطاب والقرارات بمناظير مختلفة، أولها منظار الرهان علي المجموعات الغاضبة من الشباب الذين يترسون الشوارع، ويغلقون الطرقات، ويراهنون علي أن ذلك يمكن أن يسقط النظام، ويعودون إلى السلطة علي انقاضه، أو أنهم يفعلون ما اتهمهم به الحزب الشيوعي السوداني الذي قال في بيان له أن أحزاب مركزية الحرية والتغيير تعمل علي استغلال المظاهرات لدعم حواراتها مع العسكريين للعودة إلى الشراكة الثنائية، ولهذا السبب أو ذاك، لم تقرأ قوي الإعلان خطاب البرهان قراءة صحيحة، فهي لم تنظر إلى أبعد من كونه فتح الباب لمشاركة قوي سياسية أخري لها الساحة، أو أنه قطع الطريق علي حوارهم مع المكون العسكري والذي كان قد قطع شوطا بعيدا، فاصدروا بيانا أعلنوا فيه رفضهم لما جاء في خطاب البرهان، وتعهدوا بمواصلة التصعيد.
هذا القرار أعتقد أنه قد جانب الصواب كثيرا، ويمكن أن يضيع فرصة علي قوي الإعلان قد تكون الأخيرة، وعليهم أن يعلموا أن مثل هذه المظاهرات ليست هي التي تسقط حكومة، وحتى أنها لو ارتقت إلى مستوي المظاهرات التي تسقط الحكومات، فإن ذلك لن يتحقق إلا بانحياز الجيش، والجيش قد قال كلمته وخرج من ميدان السياسة، وفي إنتظار توافق السياسيين، وفضلا عن أن القوي والمجموعات التي رحبت بخطاب البرهان تعتبر الافعل والأكبر، ويكفي أن نشير إلى ما كتبه الأمين العام لكيان الأنصار الأمير الحبيب الدكتور عبد المحمود أبو، وإلى بيان الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، فإن الجيش لا رجعة له بعد اليوم، فلن يعود إلى مائدة تفاوض ثنائية كالتي كانت تجمعه مع قوي الإعلان للعودة إلى الحكم، ولن يواصل في الحكم مع أي طرف، سوي في المستوي الذي حدده السيد البرهان، وهو في إطار مسؤوليات الجيش عبر مجلس الأمن والدفاع، لذلك لو أصرت قوي الإعلان علي هذا الموقف غير الموضوعي، وغير المبرر، تكون قد فوتت فرصة كبيرة، وقد تخرج من المولد بدون حمص.