شهادتي لله الهندي عزالدين يكتب : مبادرة أهل السودان .. ومشهد القاعة المهيب !!
*هذا هو السودان الذي نعرف .. فكفاك ثلاث سنوات من التردد يا سيادة الفريق “البرهان”*
*غاب السيد “جعفر” وحضر ممثلو السيد “الحسن” .. الاتحادي الأصل مازال في متاهته !*
*اللواء “عبدالرحمن الصادق” ظل خطيب المبادرة لأيام فاختفى يوم الختام !!*
*مجموعة التوافق الوطني تستغل الأزمة ليطول بقاؤها في الوزارات وشركة المعادن ..*
*إلى متى ننتظر مواصفات (الأجنبي) لرئيس الوزراء يا سيادة الفريق “البرهان ؟!*
حرصتُ على حضور جلسة افتتاح مؤتمر المائدة المستديرة الذي نظمته مبادرة أهل السودان السبت الماضي، وقد أكرم وفادتي الدكتور “عمار زكريا” نائب رئيس لجنة الإعلام القيادي بحزب العدالة بقيادة السيد بحر إدريس أبوقردة، فوجدتُ اسمي على ديباجة بأحد مقاعد الصف الأول تمثيلاً وتكريماً لقبيلة الإعلام مع الأستاذ الكبير “جمال عنقرة” ، باعتبارنا من قادة الصحافة السودانية ورؤساء تحرير عدة صحف سياسية خلال العقود الثلاثة الماضية، وقد ظللنا نجلس في الصفوف الأمامية طوال مرافقاتنا للرئيس السابق “عمر البشير” في كل الزيارات الرسمية داخل وخارج البلاد، لكن مستجدي السياسة ورجرجة المجالس لا يفهمون شيئاً في قواعد المراسم والبرتوكولات.
كان مشهد قاعة الصداقة ذلك الصباح الأغر، مهيباً وعجيباً .. كل كبار السودان كانوا هناك .. رجالاً ونساء .. واحداً و واحدة ، حكماء السياسة وزعماء القبائل وشيوخنا ومراجعنا ورموز مجتمعاتنا في جهاتنا الأربع.
من شرقنا .. تصدر المنصة رئيس مجلس الإدارات الأهلية وزعيم (البجا) الناظر “محمد أحمد الأمين ترك” ، وعلى الصف الأمامي جلس القائد “موسى محمد أحمد” والقائد “الأمين داؤود” زعيم مسار الشرق ورمز (البني عامر) السياسي ، وحضر ناظر الهدندوة الجميلاب البلدوزر “محمد طاهر أحمد حسين” ، فمن يا ترى غاب من الشرق الحبيب .. وهؤلاء أهم رموزه وأضلاعه ؟!
من الغرب العزيز .. وعلى المنصة جلس الدكتور “التجاني سيسي” رئيس تحالف (الحراك الوطني)، و”التجاني” غير وضعه السياسي والأكاديمي وسجله الناصع كموظف سابق رفيع في الأمم المتحدة، فهو (دمنقاوي) قبيلة الفور .. أهل دار فور .. أصحاب الأرض والاسم والتاريخ العظيم !
وكان في المشهد القائد والسياسي الوطني “بحر إدريس أبو قردة” رئيس حزب العدالة وأحد كبار مؤسسي الحركات المسلحة في ثورتها الأولى، قبل أن تختطفها المنابر الدولية والإقليمية وتستغلها لأجندات أجنبية ومعارك خارجية في ليبيا وغيرها.
و من ثنايا المشهد المهيب، خرج للناس زعيم (المحاميد) الشيخ “موسى هلال” رمز القبائل العربية في دارفور ، وكبيرها.
وجاء عشرات النُظار والعُمد والسلاطين من غربنا النابض المتوشح بالأمل.
من النيل الأزرق ظل السيد “فرح عقار” مرابطاً وحارساً لهذه المبادرة الجامعة المانعة، ومن جنوب كردفان قدمت زعامات و قيادات أهلية لا عد لها ولا حصر، برز بينهم السيد “بشارة جمعة أرور” إبن الجبال الشامخة يحمل بين جنبيه قضية أهله (النوبة) وقضايا الوطن الكبير.
ومن الكنيسة القبطية أطل كبيرا الأرثوذكس في السودان وجنوب السودان ، وإذا كان الناس قد ألفوا تمثيل الأب “فيلو ثاوث فرج” في المناسبات السياسية طيلة الثلاثين عاماً الماضية، فإن الشيخ “الطيب الجد” بعلاقته الخاصة والوطنية بالأنبا “إيليا” أسقف كنائس الخرطوم ودولة جنوب السودان، قد دفع الأنبا “إيليا” و الأنبا “صرابامون” أسقف كنائس شمال السودان على الحضور شخصياً وهو أعلى تمثيل كنسي على الإطلاق.
وسط السودان مثله الخليفة “الطيب الجد ود بدر” نفسه ، و شمال السودان مثله نظار وعمد الجعليين وملوك الدناقلة و الشايقية والمحس والحلفاويين ، وأناب عن الخرطوم ناظر البطاحين “خالد منتصر صديق طلحة” ومك الجموعية “عجيب الهادي” وقادة قبائل العاصمة القومية أهل السيادة والريادة.
ورأيتُ القيادي الاتحادي العريق ” محمد المعتصم حاكم” والسيد “حسن عبدالقادر هلال” ممثلين للحزب الاتحادي الأصل بقيادة السيد ” محمد الحسن الميرغني”، و عندما كان “معتصم حاكم” ناطقاً رسمياً باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لنظام الإنقاذ ، لم يكن أحد يعرف أطفال أنابيب السياسة الذين اختطفوا المشهد بالفوضى والعبثية بعد أبريل 2019.
إن الحزب الاتحادي الأصل يحتاج إلى قيادة سياسية صاحبة قرار و التزام وكلمة واحدة لا تراجع عنها ، فكيف يوفد الحزب مساعد رئيسه السيد “أحمد سعد عمر” بكل تاريخه السياسي ليعلن على الملأ دمج مبادرة مولانا “الميرغني” في مبادرة أهل السودان رفقة السيد “إبراهيم الميرغني” الأمين السياسي للحزب ، ثم بعد يومين يتغير الموقف ويتحول القرار !!
إلى متى يستمر هذا الحال المائل في حزب الأزهري الزعيم والشريف حسين الكبير ؟!
غياب السيد “جعفر الميرغني” عن مشهد القاعة العظيم يخصم من رصيده السياسي ويهز مقام هذا الحزب العريق، ويفتح تساؤلات كبيرة عن كفاءة وقدرات الجهة التي ظلت تفاوض هذا الحزب طوال العام الماضي وتسعى لوحدة فصائله وتبذل لها الغالي والنفيس !!
الاتحادي الديمقراطي حضرت عنه أيضاً القيادية الجسورة نائبة دائرة “عطبرة” الأستاذة “إشراقة سيد محمود” وهي عضو فاعل بالتنسيقية العليا للمبادرة، كما كان حاضراً بقوة الدكتور “أحمد بلال عثمان” أمين عام الحزب الاتحادي الديمقراطي.
بينما غاب اللواء “عبدالرحمن الصادق المهدي” عن يوم الختام مع أنه ظل خطيب وكليم مناشط المبادرة مع قطاعات المجتمع المختلفة ، ما يفتح أسئلة مشابهة لأسئلتنا حول موقف السيد “جعفر الميرغني” والمجموعة المحيطة به !!
لقد مارست قوى الحرية والتغيير اضطهاداً سياسياً و إقصاءاً معلناً ومتعمداً تجاه الحزب الاتحادي الأصل طوال السنوات الثلاث الماضية ورفضت مشاركته في أي نشاط سياسي ، بدعوى أنه من الأحزاب التي سقطت مع الإنقاذ !! فكان إذن من الحكمة والفطنة السياسية أن يتزعم هذا الحزب بالتحديد مبادرة أهل السودان، لأنها تمثل أطيافاً واسعة من أهل السودان، ولا ضير من إدماج مبادرة مولانا الميرغني فيها ما دامت الغاية صلاح الوطن و سلامه وازدهاره.
حزب الأمة وكيان الأنصار مثله السيدان الجليلان “مبارك الفاضل المهدي” والدكتور “الصادق الهادي المهدي”، وخطبا في الحشد الوطني، وأكد “مبارك” أن الوطن أكبر من أن يحكمه نشطاء وأحزاب مجهرية يسارية سطت على الثورة وغرّرت بالشباب الطامح إلى تغيير حقيقي يحقق آماله الخضراء ويبني دولة المجد لا دولة النكبة.
أما قوى الحرية والتغيير – (التوافق الوطني) ، والتوافق برىءٌ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وفيها حركات سلام جوبا ومجموعات أخرى لا أرض لها و لا قاعدة و لا حزب مثل السيد “مبارك أردول” ، فقد ثبت أنهم يحاولون إطالة أمد هذه الأزمة السياسية ، ليبقوا على كراسي الحكم وحدهم ، خمسة وزراء ومدير شركة السودان للموارد المعدنية، يتحكمون في مفاصل الاقتصاد وترليونات الذهب والضمان الاجتماعي، في ظل وضع شائه وغريب، رضي به مجلس السيادة، فكيف يبقى هؤلاء في الوزارات والبلد بلا حكومة ، بلا رئيس وزراء ، بلا دستور حاكم !!
والدليل على قولي أنهم في اليوم التالي لإعلان توصيات مبادرة أهل السودان ، أعلنوا عن ميثاق سياسي واتفاق وشيك !! بعد عشرة أشهر من اجراءات قائد الجيش الفريق أول “البرهان” في 25 أكتوبر 2021 !!
لقد أحدثت مبادرة الشيخ “الطيب الجد العباس ود بدر” ومساعده الدكتور “هاشم الشيخ الطيب الفاتح قريب الله” زلزالاً هز أركان الساحة السياسية في السودان، وحرّك جمودها ، و أقلق مضاجع القوى الدولية والإقليمية الساعية لإعادة تركيب مسرح العبث السياسي الذي كان سائداً خلال الفترة الماضية من المرحلة الانتقالية القاحلة الكالحة والبئيسة.
يريدون السودان مسرحاً للفوضى والاقتتال ، كمسرح ليبيا و سوريا واليمن ، ولكن هيهات هيهات .. ما دام في السودان حكماء شرفاء أتقياء أنقياء .. يصلون الليل بالنهار طاعةً لله وعبادةً .. ودعاء.
الكرة الآن في ملعب الفريق أول ” عبدالفتاح البرهان” .. هذا هو السودان الذي نعرف .. إحتشد في مكان واحد .. تداول .. و ناقش .. ولخص .. وأوصى .. وغنى و هتف !
فإياك والتردد مجدداً .. كفاك ثلاث سنوات عجاف من التردد والذهاب والإياب.
ألا ترى حال الشعب الذي وقف ؟ ألا تسمع عن ملايين السودانيين الذين هاجروا وغادروا وطنهم مضطرين إلى مصر وتركيا وعرض البحر المتوسط ؟
ألم تقرأ عن (22) ألف طالب غادروا جامعات السودان إلى جامعات مصر بسبب عدم استقرار الدراسة ثلاثة أعوام ، وهو رقم لم تعرفه سجلات الجامعات المصرية منذ الثمانينيات ؟!
ألا تسمع أنات الغلابى والتعابى .. الجوعى والمرضى بلا علاج .. المقهورين بغلاء الغذاء والدواء والكساء ، وقد سلّمت أمرهم إلى ناشطين مراهقين ثم إلى تجار حرب يقتاتون من رحيق الاتفاقيات ، ثم لا يجد مواطن دارفور خبزاً و لا أمناً .. ولا سلام !!
لقد طالت فترة التيه والفراغ وطال انتظار القرار (الأجنبي) ليحدد لنا ملامح رئيس الوزراء القادم صفاته ومواصفاته .. وهم يريدونه صورة من “حمدوك” الذي ألقى شعبه في محرقة (رفع الدعم) إنفاذاً لتعليمات صندوق النقد الدولي، ثم مضى دون أن يهتز له جفن.
ما هكذا كان السودان .. يا سيادة الفريق “البرهان” !!