العطبراوي..ريف منسي.. مدارس مغلقة ومدفونة بالرمال .. (الشبكة طاشة).الظلام دامس ولا صوت للاذان والخلاوي..الصحة غائبة والطرق مقطوعة
العطبراوي- حسن حميدة
عشر مدارس ابتدائية توقفت عن التعليم منذ أكثر من عشر اعوام وتطاولت الكثبان الرملية داخل ساحاتها واخترقت فصولها ومكاتبها فأصبح من الصعب دخول الكبار إليها للوقوف على المأساة ومن بين المناطق ذات المدارس المغلقة والتي اجتاحتها الكثبان الرملية (ام نعام- شقريت – بلي- ام متيلو- جويل- هنقول- ام روس- الهيتوف- بعلوك) تلك مدارس ريفي العطبراوي التابع لمحلية الدامر…والذي يتمدد من حدود الاتبراوي غربا وحتى ولاية كسلا شرقا في مساحة (٣٠٠) كيلو متر وله امتداد في منطقة البطانة.
كنت في ريفي نهر عطبرة ضمن عمال شتل البصل ومكثت معهم منذ الجمعة ٢٩يوليو وحتى نهار الخميس ١١اغسطس ٢٠٢٢م ومنذ أن توجهت إلى تلك البلاد كنت انوي القيام بجولة صحفية والحمد لله تحققت الأمنية ففي شرق العطبراوي بقرية الجقد كنت امكث مع المزارعين ومنهم اطلعت على جانب من المعاناة حيث سوروا مساحة (٥٠) فدانا بسور ترابي حتى لا تصل إليها مياه الاتبراوي غير المنضبط في الزيادة والنقصان مع مياه الامطار فخرجت المياه شرق وغرب ذلك السور حتى ارتوت الأرض.
وقد عانى من المزارعين عبيد ود المقدم ومنتصر الحيمود وعلي محمد سعد (عليه) ومنان حبيب عوض السيد في الوصول إلى طريق المواصلات عندما تعطلت شاحنة (دفار) كانت تحمل ابقار كانوا قد استخدموها ضمن عمليات تحضير الارض مع التراكتر وكان لا يمكن أن يجدوا سبيلا للطريق بقرية الجقد مما أوجب عليهم اقتحام المياه فاخترقت الأشواك ارجل بعضهم فتراهم يكاد أحدهم أن يمشي على رجل واحدة متعثرا ليومين وثلاثة فهم مجبرون على قطع مسافة ستة كيلو مترات خوضا في مياه الأمطار والاتبراوي للوصول إلى قرية أم حنضل وسلك الطريق السهل من أجل الوصول إلى سيدون وكذا حال اهل البلد الذين نادوا بتعبيد وسفلتة الطريق من قرى ريفي شرق الاتبراوي إلى سيدون. وقد انقطع طريق شرق الاتبراوي قبل طريق غرب الاتبراوي.
لا زين لا اريبا وسوداني طاشة:
في الضفة الغربية للنهر التقيت الشاب ناجي محمد كرب ابن عمدة قرية الجقد فقال إنهم بشاريون جهيماب وإن المنطقة بها العبادة والرشايدة وإن القرية ليست بها شبكة اتصالات سوى (سوداني) التي تجي يوما و(تطش) شهرا كما حدث بعد عيد الاضحى الماضي وإن هذه تعد من أكبر المشكلات كما أنها ليست بها مدرسة ولا خلوة موضحا أن من يريد تعليم أبناءه يقطع مسافة تبلغ حوالي ٦٥كيلو مترا ليتلقى ابنه التعليم في مدرسة القليعة التي يتواجد بها اقربائهم وتقع القليعة بعد سيدون وواصل في سرد المشكلات بقوله إن المياه مالحة وإنهم والقرى المجاورة بحاجة إلى توصيل المياه لهم من العطبراوي القريب منهم لإنهاء معاناة نقل الماء على ظهور الدواب بجانب حاجتهم لتعبيد الطريق الذي تقطعه السيول والنهر عندما يفيض وختم بان القرية بحاجة إلى مركز صحي. وبحسب إفادات السكان يشابه حال قرية أم حنضل حال قرية الجقد غير أن الاولى بها مركز صحي يتلقون العلاج به مرة واحدة كل اسبوع.
(٣٠٠)أسرة بلا مدرسة:
وتطابقت إفادات
الصابر علي حاج كرب مع ابن عمه ناجي وكان الصابر قد أرسى لنا المركب ال(لنش) لنعبر بنا من الضفة الشرقية إلى الغربية والشمس تمضي نحو المغيب فقال إن حوجتهم ماسة إلى المدرسة خاصة وأن منطقة الجقد والدرعمة بها حوالي ثلاثمائة (٣٠٠) أسرة واضاف أن ذات المشكلات توجد في قرى الجهة الشرقية للعطبراوي مثل خور الفيل التي تقطنها حوالي مئة اسرة. والقداد وقرية البارونيت بالجانب الغربي مشيرا إلى أن القداد بها برج شبكة شركة سوداني لكن الشبكة قد تطش أسبوعين كاملين ولا تعود حال هبوب الرياح وهطول الأمطار.
وأشار الصابر إلى أن أقرب مستشفى بالريف في منطقة الشبابيت بالجهة الغربية لنهر عطبرة والبعيدة جدا عن قرى ضفتي النهر.
ودعت ورفقاء الرحلة (محمد احمد محمد وأخيه علي وعبد الحي الإمام) ودعنا الصابر وتحركنا من العطبراوي قاصدين منزل البلة محمد حامد محمود بقرية اشول بالجهة الغربية وصلنا قبيل المغيب وسرعان ما انداح معنا البلة وإخوانه وأبيه في سرد المشكلات بالمنطقة. وتبادلنا أطراف الحديث مع البلة وشقيقه الشفيع فكانت المفاجأة أن بالقرية مدرسة مدفونة بالكثبان الرملية وان الشفيع كان ضمن الذين درسوا فيها فقررت أن أصلها يوم الجمعة إذا لم نجد مواصلات إلى الدامر وهي عبارة عن (بكاسي يزيد أصحابها في تذاكرها ايام الخريف من أربعة آلاف إلى ثمانية آلاف احيانا) ولحسن الحظ مكثنا ساعات على الطريق ولم تمر علينا عربة مسافرة إلى الدامر لا في الصباح ولا العصر ذلك لأن الأمطار قد أوقفت الحركة على الطريق الغربي غير المعبد بالطبع.
عدت مسرعا إلى خلوة محمد حامد محمود وأبناءه وهم بشاريون حيث يبدأ الرجال يومهم بصنع القهوة بأنفسهم ويختمونه كذلك عند المغيب ويستقبلون بها الضيف عدت مسرعا وطلبت من الشفيع أن يذهب معي إلى المدرسة المدفونة آملا أن نصل إليها قبل مغيب الشمس فتحرك وابن عمه صديق معي رغم أن شوكة شاكته داخل مياه الامطار قد شلت حركته وصلنا إلى مدرسة قرية اشول بعد أن قطعنا مسافة (٢) كيلو متر لأن القرية يقطن مواطنوها في مساحات متفرقة من بعضها لانهم أصحاب انعام (ابل وبقر وغنم وماعز…) خف إلينا الشباب والصغار بعد أن قربت لنا المسافة عربة بوكسي يقودها ابن مساعد طبي يدعي السعودي حيث اقلتنا بعد اقترابنا من المدرسة راجلين
وصلنا فنظرت فإذا المدرسة بلا سور وإذا الرمال تخنقها وتكاد تعلو فصولها ومكاتبها. والتقطت صورا للشباب وبعض الصغار على تلك الكثبان الرملية ولاحظت أن الرمال حجزت مكانها داخل الفصول والمكاتب وكأنها في انتظار الرياح لتدرسها حصصا في إهمال المسؤولين أو تزيدها وبعد مغيب الشمس وحلول الظلام ذهبت والشفيع إلى مدير المدرسة المعلم الماحي عبد الله فقال إنه المدير والمعلم الوحيد بالمدرسة منذ (١٢) عاما واضاف أن مشكلاتها تتمثل في أنها ليست بها معلمين ولا سور ولا حمامات وزاد الماحي أن قرية اشول بها كثافة سكانية عالية تزيد على (٢٠٠)أسرة وان حوالي ٨٠تلميذا يدخلون الصف الأول لكن جلهم يتسرب منها حتى لا يتبقى منهم سوى خمسة أو سبعة تلاميذ عندما يصلون إلى الصف الرابع والخامس فيتم نقلهم إلى مدرسة شبابيت واشتكى المدير مر الشكوى من مشكلة انعدام المعلمين وقال إنهم اضطروا إلى الاستعانة بأربع معلمات متعاونات من منطقة العالياب في أحد الأعوام.
وقبل المدير التقيت المساعد الطبي السعودي فرح وهنالك يقولون له الدكتور وهو من الجعليين فقال لي إنه يعالج الناس داخل منزله الذي حول جزء منه ليصبح مركزا صحيا وإنه طلب من وزارة الصحة بولاية نهر النيل المساعدة فلم يحصل على مساعدة وطلبت منه أن يستمر في علاج الناس في منزله.
وشدد السعودي على ضرورة تعيين قابلات أو قابلة واحدة بقرية اشول للحوجة الماسة لها مشيرا إلى بعد مستشفى الشبابيت ومشقة الوصول إليها وأشار إلى مشكلة المياه المالحة بالقرية. موضحا أن القرية ينبغي أن تشرب من النهر.
حوجة لخلوة ومسجد:
بينما ركز الشفيع وأبيه وأخيه وابن عمه على ضرورة تشييد خلوة لتعليم النشء القرآن الكريم والفقه كما طالبوا بتشييد مسجد قريبا من منازلهم ليكون المسجد الثاني بالقرية نفسها لأن المسجد الاول
جوار المدرسة سالفة الذكر.
ومن القرى التي تشابه مشكلات قرية اشول قرية البارونيت
وام دبل عابة.
انعام هزيلة:
لاحظت أن البقر والضأن والماعز والحمير وبعض الإبل هزيلة جدا ذلك لانعدام العشب خاصة قبيل الخريف مما يدفع أصحابها للتوجه بها صوب مناطق البطانة القريبة منهم جهة ام شديدة والصفية والصباغ.
مع المناصير:
تحركنا اربعتنا صباح السبت من قرية اشول إلى فريق المناصير حيث يلتقي الطريق الخارج من القرى والفرقان بالطريق الخلوي الذي تأتي به السيارات من حلفا الجديدة والشبابيت في رحلة الوصول إلى الدامر فالتقينا رجل يدعى عيسى حسين حسن علي طه وهو من المناصير الطاهاب وهو ضمن (الدهابة) بالعبيدية ولكن كان سبتنا مثل جمعتنا فدعانا لتناول الفطور معهم فذهبنا وتعرفنا على نسيبه العاليابي وأبيه وعدنا إلى الطريق ولكن دخلنا خلوة حسن حسين الراوي داخل فريق المناصير (حوالي ٣٠اسرة) وهو شاعر فمكثنا بها بقية السبت ويوم الأحد حيث لم تتحرك عربة واحدة بإتجاه الدامر وبذلك أغلقت الأمطار الطريق أربعة أيام كما أفادنا الزائرون إلى الخلوة بل حتى من كانوا بالدامر لم يتمكنوا من الرجوع إلى قراهم مما يوجب ضرورة تعبيد الطريق وسفلتته.
أكرمنا المنصوري كما أكرمنا البشاري فالقهوة هي ذاتها والوجبات تتشابه.
لاحظت أن الكثبان الرملية في الجهة الغربية للنهر تمضي نحو المنازل بل وصلت إلى بعضها وعلته فتركه أهله لها.
شنف الراوي آذاننا بشعر يحكي عن مآسي العطبراوي وما أصاب مواطنوه من حميات وملاريا ودسنتاريا وجوع بل كعادة أهل الشمال كان (حضيري الذي يعني الفقر) حاضرا في شعره.
ليل الأحد اهداني أربعة أبيات قال فيها:
حسن حميدة فات الاتبراوي زيارة
قال غير التراب ما شفت فيهو عمارة
لا شبكة لا تعليم لاصحة لا في إنارة
كل مشاكلو بكتب في الصحيفة اخبارا
من المحرر:
هذه الرسالة اوجهها لحكومة محلية الدامر وحكومة نهر النيل خاصة وزارت التربية والتعليم والصحة والطرق والجسور وكل الوزارات المختصة بخدمة المواطن أن أدركوا مواطني ريفي نهر عطبرة في القرى الممتدة على جانبيه فإنكم مسؤولون عنهم تفقدوهم واخدموهم أصلحوا لهم الطرق واعيدوا فتح المدارس وأخرجوا منها الرمال وابنوا لها الأسوار والحمامات واكملوا الفصول الناقصة ببناء ثلاثة فصول للمرحلة المتوسطة وعينوا المعلمين واوصلوا لهم المياه العذبة من العطبراوي وشيدوا لهم المستشفى والمراكز الصحية وعينوا لهم القابلات وشيدوا لهم المساجد والخلاوي وعينوا لها المعلمين والأئمة والدعاة وعلى شركات الاتصالات (زين واريبا وسوداني) أن تشيد الابراج لتقوية الشبكات هنالك.