انواء رمضان محجوب “عشرينية” ود المكي
في زحمة الاشياء و”المشاغل” مرت علينا قبل خمسة ايام “عشرينية” الداعية رالقائد الاسلامي الفذ دكتور احمد عثمان المكي.
بعد عشرين عام من رحيله دعوني أدون بعض أحرف ذكرى لرجل كلما آبت ذكراه في كل عام انتابتني معها أوجاع شتى، وهي تجتر أحداثاً تلتصق في الذاكرة وتأبى المبارحة وتعتقل القلب وتعيد فتق جراح تأبى اندمالاً لفقد أحبة حملتهم الفكرة قبل الذكرى والقلب قبل العين، والذين يتقدمهم الراحل “ودالمكي” .
ذاك “الرجل الأمة” الذي رحل إلى رحمة الله في هدوء في الـسادس والعشرين من (سبتمبر) من العام 2002م بمدينة (شيكاغو) الأمريكية، الذي يعد أحد قادة الثورة في الحركة الإسلامية في السودان.
وما تُذكَر ثورة شعبان الطلابية التي اندلعت في أغسطس 1973م إلا ويذكر ود المكي الذي كان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في الدورة التي قدر الله لها أن تشعل تلك الانتفاضة.
جاء (ود المكي) إلى الحركة الاسلامية يافعاً بعدما تحرر من مناهج السلفية شأنه شأن كثير من إخوانه في ذاك الحين.
جاء ود المكي إلى جامعة الخرطوم يقوده رصيد تراكمي من الفكر والثقافة اكتسبه خلال تدريسه في مدارس التعليم العام الذي سبق التحاقه بـ(الجميلة ومستحيلة) فضرب ود المكي خلال دراسته بها المثل والأنموذج الحق للأخ المسلم فكراً وقوامةً والتزاماً خاصاً وإلماماً باحتياجات عصره وحركته.
كان قائداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ساعده في ذلك تلك الكاريزما التي ميزته على رصفائه وأقرانه من جيله الذي أعطى ولم يستبْقِ شيئاً.
بعد دخوله الجامعة وبعد وقت وجيز أضحى ود المكي مسؤول (الإخوان) فيها. ثم انتُخِب ليصبح رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1972-1973م.
وقتها كانت الساحة السياسية تشهد أشرس المواجهات ضد ديكتاتورية الرئيس جعفر نميري، وقاد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تلك المواجهة رأس الرمح في تلك المواجهات السياسية. ووصلت المجابهة السياسية ذروتها في ثورة شعبان أغسطس 1973م التي كادت أن تُطيح بالرئيس نميري ونظام مايو.
في تلك الثورة قاد ود المكي باقتدارعملية احتلال جامعة الخرطوم التي نفذها طلاب الجامعة تحت قيادته بنجاح كبير، وسط زخم التأييد الجماهيري الطلابي وهتافات (اليوم الحار ما بندار ود المكي وراه رجال)، و(اليوم الحار ما بندار ود المكي بخوض النار)، كان ذلك وسط حصار محكم نفذته أجهزة الرئيس نميري ضد جامعة الخرطوم.
في ظل الحصار الأمني والعسكري للجامعة قاد ود المكي مفاوضات الطلاب مع نائب الرئيس اللواء محمد الباقر أحمد، ليحرز مكسباً سياسياً جديداً لصالح حركة الإسلاميين السودانيين ضد النظام الديكتاتوري وليحرز مكسباً سياسياً كذلك بزيادة لمعان نجوميته، وتعززت مكانته كزعيم طلابي محبوب وكسياسي وطني.
بعد التخرُّج من كلية الآداب، تفرَّغ أحمد عثمان مكي للعمل التنظيمي الإسلامي، حيث أصبح مشرف العمل الطلابيّ على مستوى السّودان. أعقب ذلك سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسات العليا. حيث استطالت تجربته الأمريكية ومكثه إلى خمسة وعشرين عاماً حتى رحيله.
خلال ربع قرن استطاع ود المكي أن يغير بسلوكه من النمط الأمريكي الذي يحفل بالعملي المفيد ولا يركن كثيراً لتعطيل العمل لأجل المجاملات والاجتماعيات والأنس السوداني الممتد، وقدم أنموذجاً مشرفاً للداعية المسلم الذي يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
رحمك الله أخي (ود المكي) وجعل الجنة متقلبك ومثواك.. فقد مضيت إلى بارئك منذ عشرين عاما ولم تترك خلفك فتى يشبهك في المدينة.