إتفاق جوبا: قبول طلاب دارفور بالتعليم العالي..إرادة غائبة ومكاسب ضائعة!!
تقرير: إبتسام الشيخ
مع دخول إتفاق جوبا لسلام السودان عامه الثالث تضج الأسافير بالأصوات التي تشدد على تنفيذ الإتفاق الذي يشهد تعثرا في كافة بنوده ولا تزال مكتسباته حبرا على الورق وحديثا على الشفاه ويرى الكثيرون أن غياب الأرادة يمثل عاملا أساسيا في عدم التنفيذ إذ إن عددا من بنود الإتفاق كان يمكن أن تشرع الأطراف في تنفيذها منذ العام الأول دون العزف على وتر معضلة التمويل.
معالجات منصفة
يتزامن دخول الإتفاق عامه الثالث مع إعلان نتيجة إمتحانات المرحلة الثانوية وترقب الطلاب لبدء عملية التقديم لمؤسسات التعليم العالي والعبور الى المرحلة الجامعية التي تخرج رجالا ونساء المستقبل الذين يتفرقون بين مجالات العمل المختلفة،
لكن كما يلحظ الكثير من المراقبين فإن حظوظ أبناء بعض الأقاليم السودانية في الالتحاق ببعض الكليات ظل ضعيفا على مدى سنوات خاصة تلك التي تأثرت بالحرب على مدى عقدين أو يذيد، الأمر الذي أولته الأطراف التي جلست الى التفاوض على مر إتفاقيات السلام المختلفة من ابوجا مرورا بالدوحة إنتهاء بجوبا اهتماما كبيرا ووضعت معالجات يراها الكثيرون منصفة وعادلة بالنظر الى الظروف التي احاطت بهؤلاء الطلاب وحال توفرت الإرادة لتطبيقها فإن من شأنها الإرتقاء بالتعليم العالي في المناطق المأزومة ورفد سوق العمل فيها من مختلف التخصصات، إذ إن هذه المعالجات بنيت على خلفية القصور الملحوظ في التحاق أبناء تلك المناطق بكليات بعينها وهي تمثل اهمية قصوى في سوق العمل ومساهمة الفرد في المجتمع.
نص الإتفاق
ورد في كتاب إتفاق جوبا لسلام السودان، مسار دارفور المادة (29) المؤسسات التعليمية،
“الفقرة (1•29)” إتفق الطرفان على أن الحرب والإهمال في دارفور كان لهما أثرا مباشرا في تردي التعليم ونوعيته وتدني مستويات التحصيل الأكاديمي مما يدعو الى ازالة هذا الخلل اعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي وفق سياسات تتمثل في…
“الفقرة (1•1•29)”، مراجعة معايير القبول للجامعات والمعاهد العليا الحكومية ووضع سياسات تعزز التمييز الإيجابي في سياسات القبول مع تخصيص نسبة (15%) في (التخصصات الطبية والهندسية (البيطرة والإنتاج الحيواني والمختبرات الطبية والصحة العامة والأشعة والصيدلة وكافة التخصصات العلمية) من مجموع المقبولين في الجامعات والمعاهد العليا الحكومية الموجودة في دارفور لصالح طلاب دارفور لفترة عشرة سنوات كحد أدنى،
“الفقرة (2•1•29)”، إتفق الطرفان على إعفاء جميع أبناء وبنات دارفور الذين يدرسون في الجامعات الحكومية بالإقليم من الرسوم الدراسية لمدة عشر أعوام من تأريخ التوقيع على هذا الإتفاق،
” الفقرة (3•1•29)”، إتفق الطرفان دعما لسياسات التمييز الإيجابي على إعفاء أبناء وبنات دارفور الذين يدرسون في الجامعات الحكومية خارج إقليم دارفور في كافة التخصصات الطبية والهندسية لمدة عشرة أعوام من تأريخ التوقيع على هذا الإتفاق على أن يستبعد المقبولون في نهاية الفترة المحددة عن الإعفاء من الرسوم الجامعية حتى إكمال فتراتهم الدراسية،
“المادة (3•29)”، يتم تخصيص نسبة 20% من المنح الدراسية والبعثات وفرص التأهيل والتدريب في الخارج والداخل لأبناء وبنات دارفور.
مكاسب ضائعة
يرى الكثيرون أن تلك تعد من أعظم المكاسب التي جاء بها إتفاق جوبا وفي ذات الوقت يشفقون من ضياع الفرص بعدم تنفيذ هذه البند وحرمان أبناء وبنات دارفور للعام الثالث من الاستفادة من هذا الإستحقاق .
تحديات
أبدى رئيس لجنة ممثلي حركات دارفور الموقعة على اتفاق سلام السودان في جوبا المعنية بمتابعة استيعاب ابناء وبنات دارفور في الجامعات والمعاهد العليا الحكومية الدكتور حسن هاشم فاشر ابدى أسفه على تعثر وبطء تنفيذ الاتفاق، وقال إن نسبة التنفيذ لا تتعدى ال10% في مجمله ولا شيء فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية، وذهب الى أن الطرف الحكومي الذي كان قد وقع على الاتفاق يتعلل بعدم توفر الامكانيات المادية وقطع فاشر بأن هنالك بعض بنود الاتفاق لا يتطلب تنفيذها الدعم المادي وهي استحقاقات اصيلة لابناء وبنات دارفور،
واوضح أن لجنته المعنية بمتابعة أمر قبول أبناء وبنات دارفور بالجامعات والمعاهد العليا تقارب إكمال العام الثاني منذ تكوينها بتمثيل لكل حركات دارفور التي وقعت على اتفاق السلام إلا أنها لم تقدم انجازا حتى اليوم وواجهتها تحديات تمثلت في عدم استقرار الجهاز التنفيذي والتغيير المتكرر لوكلاء وزارة التعليم العالي فضلا عن اصرار الوزارة على قبول طلاب دارفور على النفقة الخاصة الامر الذي يخالف ماتم الاتفاق عليه في جوبا،
وقال الدكتور فاشر إن لجنته قامت برفع المسألة الى مجلس السيادة ممثلا في رئيس الجبهة الثورية الدكتور الهادي ادريس ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر ،
وأكد فاشر تمسك لجنته الممثلة لحركات دارفور الموقعة بتنفيذ ماجاء في اتفاق السلام والمحافظة على استحقاقات ابناء وبنات دارفور الذين تأثروا بالنزاع الذي أستمر لسنوات طويلة وأنعكس سلبا على مجمل العملية التعليمية في دارفور.
غياب الإرادة
كبير مفاوضي التحالف السوداني أحد الحركات التي وقعت على اتفاق السلام بحر الدين كرامة يرى أن غياب الحكومة قد أثر على تنفيذ الإتفاق، ويرجع عدم تطبيقه بشكل أساسي الى غياب الإرادة، ويشدد كرامة على ان الحاجة فقط الى قرارات في الكثير من القضايا المتعلقة بتنفيذ الإتفاق، وقال إن على وزارة المالية تسوية الأمر مع التعليم العالي، ولفت الى أن هنالك مؤسسات كثيرة بدأت التعينات دون أن تراعي نسبة ال(20%) في الخدمة المدنية لابناء دارفور، وقال بحر أرجو ألا تكون ممانعة التعليم العالي جزءا من سياسات محاولة اسقاط الرافعة الوسطى للثورة.
إتفاق ملزم
من جانبه قال كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة احمد تقد لسان ان موقف وزارة التعليم العالي يتعارض تماما مع ماجاء باتفاق السلام وأنه لا يحق للوزارة الاعتراض على النص الوارد في الاتفاق وشدد على أنه ملزما لكل الاجهزة التي تتبع للدولة وأضاف أنه في حال اصرار الوزارة على عدم تطبيقه فإن لدينا ماسنتخذه من إجراءات وحث اللجنة المعنية على بذل قصارى جهدها لتغيير موقف الوزارة وتنفيذ ماورد في الإتفاق وتمكين طلاب وطالبات دارفور من الاستفادة من مخرجاته واتهم تقد مفوضية السلام بالتقصير في متابعة هذا الشأن وقال إن عليها كما على الآلية المعنية بمتابعة الاتفاق الاطلاع بدورهما لاجل مصلحة ابناء وبنات دارفور المتأثرين بالحرب.
مفوضية السلام
خاطبت مفوضية السلام وزارة التعليم العالي بتأريخ الثلاثين من شهر مايو 2022، (5/30/2022) ،مبينة بأن المادة 29 مسار دارفور تنص بوضوح أن النسب الواردة في الإتفاق بشأن قبول أبناء وبنات دارفور تحتسب من مجموع المقبولين في مؤسسات التعليم العالي وليس من العدد المخصص للقبول الخاص، وأضافت المفوضية علمنا أيضا أن وزارة المالية على إستعداد لتحمل التكاليف الناتجة من تنفيذ هذه المواد شريطة أن تحتسب التكلفة الناتجة على أساس تكلفة القبول العام وليس الخاص وهو أمر يتسق مع نصوص الإتفاق، ونوهت المفوضية، كسبا للوقت نرجو من وزارة التعليم العالي الإلتزام بنصوص الإتفاق والشروع في إجراءات قبول الطلاب حتى يتمكنوا من التنسيب لقبول هذا العام،
وأنتهت عملية القبول العام الماضي دون نيل أبناء دارفور إستحقاقهم بموجب الإتفاق ؟!.
حكومة دارفور
نائب حاكم إقليم دارفور الدكتور محمد عيسى عليو مع تشديده على مجانية التعليم لأبناء دارفور إلا أنه يرى عدم مقدرة الجامعات على قبول هذا العدد الكبير بدون أن تكون هنالك جهة تتحمل النفقات وقال اعتقد أن الجامعات غير رافضة للفكرة، لكن نسبة دعم التعليم العالي بسيطة جدا والجامعات تسير نفسها بنفسها وللأسف الجامعة مؤسسة إيرادية، ولابد من طرف ثالث ليدفع، وأضاف نحن كحكومة إقليم مستعدون لأن ندفع هذا المال لكن بكل أسف (ماجاتنا قروش )،
ودعا عليو مؤسسات التعليم العالي الى التفكيرمع كافة الجهات المعنية بغية التوصل الى حل لملء الفراغ المادي بحسب تعبيره، وأقر بعقبات واجهتهم بشأن قبول الطلاب في اتفاق أبوجا، واستطرد (أبناؤنا يجب أن يتم قبولهم، ضاع عليهم العام الماضي وماممكن يضيع هذا العام ايضا).
تشريعات وقوانين
الكاتب والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر يحمل مسؤولية الاساس فى مبادرات التنفيذ لأطراف اتفاق جوبا سياسيا و تشريعيا بتحويل الاتفاق إلى تشريع وجسم قانونى يتابع التنفيذ فى إطار تشجيع التعليم العالى و البحث العلمى فى كل مناطق النزاع خاصة دارفور، ويرى خاطر أن فكرة تعويض النقص الحاد فى التعليم الجامعى بين أبناء وبنات دارفور، برزت فى سياق اتفاقات تقاسم السلطة والثروة بين الحكومة الاتحادية و حركات الكفاح المسلح التى بدأت كحالة تفاوضية فى أبوجا (٢٠٠٥) و تحددت ملامحها فى وثيقة الدوحة (٢٠١١) و اكتملت فى اتفاق جوبا ٢٠٢٠، ويضيف أنه
وبرغم نجاح تجربة التمييز الايجابى فى هذا المجال باستيعاب اعداد مقدرة من الطلاب و الطالبات الا انها ووجهت بنقد واسع خاصة فى مجال التطبيق من المجتمع إذ ظلت المؤسسات الحكومية خاصة التعليم العالى و الإقليم تصنف انها غير جادة و عاجزة خاصة بمدخل النقص الحاد للتمويل فى مجالات التطبيق، ويرى خاطر ان هذه الاتفاقات سياسية و تشريعية ورعايتها كذلك وهى بذلك اكبر من ان تترك للأجهزة التنفيذية و ممارسة الضغط عليها و نقدها.
أسئلة ملحة؟
أسئلة ملحة تبرز في إذهان بعض المشفقين حول هذا البند من الإتفاق الذي يعنى بمعالجة أمر شريحة تعد الأكثر تأثرا طيلة سنوات النزاع فضلا عن أنها الأمل لبناء مستقبل افضل للسودان فهل ستدخل هذه المادة حيز التنفيذ هذا العام أم ستظل آمالا لوحت بها أطراف العملية السلمية أمام أبناء وبنات دارفور وطفقت تحدث عنها كمكاسب وإنجازات لا وجود لها فعليا ؟؟؟.