مأساة لقاوة!المتاجرةالرخيصة بالقضايا وبيع الوهم للغلابة بقلم : فاطمة لقاوة
منذ إندلاع الصراع المسلح بين الحركات المسلحة في السودان ضد المركز ،ظلت تِلك الحركات تستهدف الرُعاة في الحزام الممتد من كردفان إلى دارفور بصورة عنصرية بغيضة ،مما سهل مهمة المركز في إستغلال فِرسان الرعاة في خوض حروب وكالة عن حكومة المركز.
إستهداف الرعاة الآن من قبل الحركات المسلحة اصبحت الحرب فيها حروب وجود ،في ظل غياب تام لهيبة الدولة وإستهداف واضح وممنهج ضد الرعاة على طول الشريط الرعوي الممتد من اقصى الجنوب الشرقي إلى أقصى الجنوب الغربي للسودان،وصمت تام من قبل حكومة المركز والولايات ،وتعتيم إعلامي مقصود وتحريف للحقائق وطمسها .
مدينة لقاوة حاضرة رئاسة مجلس ريفي المسيرية (لقاوة -كيلك-السنوط)سابقا ،ورئاسة محلية لقاوة الآن ،تُعتبر سودان مصغر من خلال النسيج الإجتماعي المنسجم والمتكاتف في أحلك الظروف وأشدها مأساة .
عندما بدأت بوادر التمرد في كردفان في وسط ثمانينيات القرن الماضي!لم تسلم لقاوة من هجمات التمرد وأحداثه الدموية ،وقد كانت لقاوة وقُراها ساحة لمعترك الافيال-(المركز وحربه الجهادي ضد التمرد )-وقد كانت كتائب المجاهدين بقيادة أبناء النوبة وعلى رأسهم “عبدالعظيم رحيمة الله”تصول وتجول في مناطق تلشي وتيما وكتلا وجلد ،وكان الجنرالات من ابناء النوبة الآن قادة للعمليات في جنوب كردفان ،وتشهد مدينة الدلنج وساكنيها ومضخاتها !بأن الجنرال شمس الدين كباشي ،كان واحداً من ابناء النوبة الذين قادوا عمليات الصيف العاصفة في بداية التسعينات في جبال النوبة ضد المتمردين في ذاك الوقت.
ما قام به ابناء النوبة الجنرالات خِدمة لتوجيهات المركز من تجاوزات ضد اهلهم النوبة في جنوب كردفان بإسم التمرد وتصفية البعض من الأساتذة والأطباء والموظفين وإعدامهم بحجة انهم طابور خامس ،والوشاية كانت من أبناء النوبة أنسفهم ،لن ينمحي من ذاكرة التاريخ ولن يستطع أحد ان ينساه ،وجميعنا حضور وشهود عيان على ما جرى في كادقلي من إعتقال لخيرة أساتذتنا -(أ.يوسف جلدقون ،وأ.يوسف أحمد صابون)- ومعهم الدكتور إبن عمر إبراهيم كنو!!!!!أتذكر جيداً بانني كنت طالبة ثانوي صف اول في ١٩٩٢م،وكنت واحدة من الطلاب الذين تم اعتقالهم وإستجوابهم لأننا رفضنا إعتقال اساتذتنا وإعتقال إبن لقاوة البار (دكتور إبن عمر إبراهيم كنو)الذي كان يتكفل بعلاج كل بنات لقاوة بمختلف إثنياتهم ،وأتذكر جيدا عندما إنبرى لي واحد الجنرالات في ذاك الوقت ،وقال لي :انتوا المسيرية متين عندكم علاقة بالنوبة ؟!فقلت له انا بنت لقاوة ،وفي مجتمع لقاوة لم نسمع يوم بأن هذا نوباوي وهذا مسيري-وفي ذاك اليوم أطلق علي زملائي إسم:فاطمة لقاوة -ومن حقي ان ادافع عن دكتور إبن عمر ابراهيم كنو لأنه ود بلدي ،وعن استاذتي لانهم منارة لي ولم ارى منهم يوم فعلٍ مشين يستوجب إعتقالهم ،وفي داخل مكتب المحافظ عبدالوهاب قلت له:اذا تم إعدام هؤلاء الأساتذة والدكتور ومن معهم وهم أبرياء ،تأكد بأنك ستموت مِتة أسوأ من إعداهم ،وأشرت للمحافظ في ذاك الوقت عندما نهرني وقال لي سيتم اعدامهم في الميدان غدا ،وانتوا اذا خرجتم في مسيرة سنتعامل معكم معاملة متمردين!!!فعلا تم إعدام اساتذتنا ودكتور ابن عمر ابراهيم كنو ،وشاءات الأقدار بأن يموت المحافظ عبد الوهاب بحادث حركة شنيع ونسأل الله أن يأخذ حق الغلابة المظلومين من الجميع !!.
من ذاك الوقت ظللت كارهة للإنقاذ وسياسات المركز وظُلمة الذي رأيته بأم عيني ،وتعاونت مع دعاة التغيير من أجل إزاحة نظام الإنقاذ ،وحَلمنا بوطن يسع الجميع دون تمييز مفرط .
سقطت الإنقاذ وأستبشرنا خيراً بأن يصطف الجميع لبناء دولة السودان التي تقوم على المؤسسية والكفاءة ،دون إقصاء ،ولكن هيهات !!!فقد تبدلت الأحوال ،لأن الجميع -(حركات متمردة ،وأحزاب ،وقيادات ،ونخب)-لا يملكون إرادة حقيقية ،تمكنهم من إدارة الفترة الإنتقالية لنعبر بسلام نحو الأفق السياسي التنموي المنشود للسودان ،ومعظم الساسة جاءوا رهينة من أجل تنفيذ أجندات خارجية تخدم أسيادهم ،،لذلك نلاحظ عِلو خطاب الكراهية والتمييز في الساحة السودانية اليوم،وتقوقع الجميع داخل دائرة القبلية والجهوية الضيقة ،وضياع القيم الوطنية .
نفهم جيداً طبيعة تعقيدات المشهد السوداني الآن ،والتقاطعات الخارجية والداخلية ،وكيفية رسم ملامح السودان القادم عبر السعي إلى طبيق سياسات البنك الدولي الإقتصادية والسياسية،دون رؤية واضحة تُخفف المعاناة عن كاهل المواطن الغلبان،إلا أن ما لا نفهمه هو ما يجري في غرب كردفان عامة ،ومأساة لقاوة بصفة خاصة !!!وعودة فلول الإنقاذ من أبناء النوبة للمشهد من جديد وإصطفافهم بجانب خلايا حركة عبدالعزيز الحلو !!و ربائب الكيزان !!!!ومتاجرتهم الرخيصة بقضايا أهلهم ،وبيع وهم الوحدة لشعب النوبة الغلابة!!!الذي إكتووا بنيران الأحداث الأخيرة وتشردوا من ضمن سّكان لقاوة الذين نزحوا بسبب هجمات حركة الحلو ،التي جعلت لقاوة أرض محروقة ما بين عشية وضُحاها.
سؤال:كيف يتوحد شعب النوبة ولكل قبيلة لهجة منفصلة لا علاقة لها بلهجة القبيلة الآخرى؟!والرابط بينهم هي اللغة العربية فقط،وكيف يتوحد شعب النوبة؟! وعبدالعزيز الحلو ومن معه من انتهازي الحركة الشعبية قطاع الشمال ،قد باعوا قضية النضال ورهنوا انفسهم لأجندات خارجية
وداخلية ،والحلو اصبح تاجر ذهب ينقب في ذهب الجبال !!وابناء الحلو ومن معه يتلقوا تعليمهم في خارج السودان والحلو ومن معه يعبرون فوق جماجم أهل الجبال!!!من أجل الوصول إلى كراسي السلطة !!،كيف يتوحد شعب جبال النوبة ،والطبالين !تُجار الحرب من ابناء النوبة الذين قاموا بتصفية الخيرين من ابناء النوبة بحجة الطابور الخامس ،والذين قادوا عمليات صيف العبور في تلشي وتيما وكتلا ،هم ذاتهم اليوم يقودوا المشهد؟!.
الأسلئة في خاطري كثيرة ،ولكن تبقى حقيقة مأساة لقاوة التي بدأت حسب رواية الشهود :في يوم ٩/١٠من الشهر الماضي عندما خرجت فديوهات فيها تعبئة لأهل الطرين ومعها مواد تموينية وصوت غناء نسائي ،تنادي بأن لقاوة ملك للنوبة ،ثم اٌطلقت إشاعة يوم الاثنين ١٠/١٠بأن هناك يافطة سيتم نصبها بإسم مجلس ريفي المسيرية،فجاءات مجموعة من جيش الحلو وقطعت طريق لقاوة جنقاروا ،وقتلت ثلاثة تجار من ابناء المسيرية”عنينات” ونهبت ممتلكاتهم ،بالقرب من حامية الجيش في لقاوة.
وفي صبيحة ١٣/١٠جاءت قوة من جيش الحركة وعسكرت في مدرسة كرقادي الأساسية ،والخور -“خور أم عفينة”- وقاموا بخطف الطفل :أبوالقاسم الناير ،الذي ما زال مصيره مجهول حتى كتابة مقالي هذا.
وفي يوم ١٤/١٠/٢٠٢٢تحركت قوة من جيش حركة الحلو واتجهت نحو رئاسة محلية لقاوة ،وفي طريقها قامت بقتل المواطن”كشابة”وهو رجل تجاوز عمره السبعين عام .
المؤسف حقا :بأن كل هذة التجاوزات وما سبقها من تجاوزات منذ ٢٠١٩ ،وإفرازات إتفاقية “سورني”
المشؤمة ،وما صاحبها من تواطوء من اللجنة الامنية في المحلية ،وانحياز قائد الحامية ،قد خلق غُبن داخل نفوس المسيرية ،وأستفزتهم ظاهرة الخطف الممنهج والقتل الذي أصبحت تمارسه قوات الحلو بمعاونة بعض خلاياها داخل لقاوة وصمت اجهزة الدولة ،فتجمع المسيرية ودارت معركة بينهم وبين جيش الحلو في كرقادي ولادي معقل تواجد قوات الحلو ،مما قاد الى وقوع شهداء من المسيرية بلغ عددهم ال٥شهيد ،وقتلى من جانب قوات حركة الحلو المهاجمة .
في اليوم الثاني للمعركة غير متكافئة بين قوات الحلو المهاجمة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وبين المسيرية المواطنين الذين أٌجبروا على الحرب بسبب تماطل أجهزة الدولة الرسمية ،وصلت قوة من القوات المشتركة التي كانت في حراسة المرحال الغربي لمساعدة الرعاة وحراستهم ليعودوا إلى مصايفهم،وبعد وصول القوات الحكومية تفرق المسيرية وعادوا الى بيوتهم وتركوا أمر حراسة مدينة لقاوة للقوات النظامية التي وصلت إلى لقاوة.
من ضمن القوات المشتركة كانت قوات الدعم السريع التي عسكرت غرب مدينة لقاوة ،فجاءات قوة مهاجمة من قوات الحلو وإشتبكت مع قوات الدعم السريع وتصدت لها قوات الدعم السريع وعادت القوات المهاجمة أدراجها .
ثم بدأت قوات الحلو بقصف مدينة لقاوة بقنابل الهاون بصورة عشوائية ،بلغت عدد الدانات اكثر من ١٣دانة في زمن واحد ،مما أدخل الهلع في نفوس المواطنين في جميع الأحياء وخرجوا فاريين جميعا خوفا وحسرة على حياتهم التي تبدلت إلى جحيم فجأة ،فمنهم من إحتمى بحامية لقاوة ،ومنهم من ذهب نحو القرى والفرقان حول المدينة بعيدا عن مرمى نيران مدافع حركة الحِلو،فأصبحت لقاوة خرابة يُعشعش فيها بوم الخراب والتفلت والسِرقات وخطف الأطفال .
ماحدث في لقاوة من تجاوزات وتماطل اجهزة الدولة وتدخلها المتأخر ،أمر يحتاج إلى إستنكار ورفض من الجميع ،ولكن ما يدعو للتوقف والتأمل ،هو مسيرة أمس في الخرطوم والتي دعت الى تدخل قوات الحلو ونادت بإجتياح لقاوة من قبل النوبة ،وقد سبقهم في ذلك المدعو “كافي طيار”معول الإنقاذ الهادم للنوبة،فهل هذا يُعد تنسيق ما بين حكومة المركز وحركة الحلو على القضاء على المسيرية ،ليكون المسيرية قربان للسودان الجديد؟!.
رسالة خاصة لمن يهتفوا ضد وجود الدعم السريع في لقاوة:لولا تدخل الدعم السريع المتأخر في لقاوة لكانت لقاوة الآن أبيي آخرى كما رسمتوا لها ،ولكن هيهات ،وقوات الدعم السريع قامت بالواجب الذي فُرض عليها ولم تتجاوز أي قوانين ،ولكن هل انتموا مستعدون للإعتراف بالتجاوزات السابقة ضد اهلكم النوبة في كردفان التي تمت على أيدكم؟!وطالما ابناء النوبة بقايا الإنقاذ يؤمنون بالحركة الشعبية جناح الحلو،وينادوا بها في المركز ،فلماذا سمحت لهم ضمائرهم بتصفية ابناء جلدتهم الخيرين- سابقا- بتخوين وتقارير صادرة من ذات الهِتفة اليوم؟!.
تعجبت جدا من احد المتحدثين يقول :لن نرشح عربي تاني!!!!فهل هو نسى أم تناسى!مجلس ريفي المسيرية قد قدم الأستاذ :سعيد فرج الله ،مرشحا وتم فوزه ،وقد كان نعم الإبن البار بمنطقته وفي عهده نعمت لقاوة الكبرى بخزان السنوط ،فلم نسمع في ذاك اةوقت نبرة عربي أو نوباوي!!!،وذات لقاوة بمجلس ريف المسيرية قد فوزت حسيب وهو أيضا من ابناء الجبال ،لذلك لا مزايدة على مواقف إنسان لقاوة ومجتمهم المشرفة ،ولا خوف عليهم ،وستعود لقاوة كما عهدناها وسيسموا الجميع فوق المرارات والخيرين من أبناء لقاوة من كافة الإثنيات موجودين ونراهن عليهم .
مسيرة أمس متاجرة رخيصة وبيع وهم للغلابة الذين هم المتضررين من أي نزاع في لقاوة .