(بينما يمضى الوقت) .. أمل أبوالقاسم .. خياران أحلاهما مر
منذ ان جرى الحديث عن تسوية سياسية أو تفاهمات لعدد من المكونات السياسية بغية ضمها وجمعها في صف واحد لتتخلق عبرها فترة انتقالية تفضى الى حكومة منتخبة، وذلك بعد فشل مبادرات عدة متناسلة استمرت لمدة عام هو عمر فترة ما بعد انقلاب رئيس مجلس السيادة أو ما اطلق عليه اصطلاحا
( تصحيح مسار).
قلت انه ومنذ ان بدأ الحديث عن تسوية قرر لها ان تكون شاملة لا تستثني أحد عدا المؤتمر الوطني والأخبار حولها تترى على طريقة (هجم النمر) أو كقصة (محمود الكذاب) التي طالعناها في كتب المطالعة باكرا. وفي زخم المغالطات حولها ما بين تسكين وأمنيات، وبعد لا ونعم مبهمة تنزل اتفاقها الاطاري واقعا بعد ان قطع له بعد غد الإثنين موعدا للتوقيع عليه، وقطعوا بذا قول كل خطيب في المنحى، ليتركوا بعدها ليس القول بل الصراخ يأتى من هنا وهناك.
كنت وقبل أكثر من ثلاث سنوات اقف موقف الرفض والاستنكار من قحت وذلك منذ بداية الثورة وحتى تتويجها بتشكيل حكومة، وما رفضي الا لما قرأته من واقع حال ينبئ بفشل وشتات واذكر انني في مداخلة بأحد مجموعات الواتس قلت ( بكرة نقعد على الحيطة ونسمع الظيطة) أو كما يتمثل اشقاءنا المصريين، وبالفعل حدث كل ما تنبأت به وشهدنا اسوأ حكومة شهدها السودان على كافة الصعد الى ان انتهى بها الحال الى زوال بعد اقتلاعها عنوة لحفظ ما تبقى من ماء وجه البلاد.
الآن ومن عجب تجدوني ادعم ذات الذين كان لدينا عنهم رأى سالب أو بالأحرى ندعم القوات الأمنية والجيش بقيادة البرهان فيما خطوه من خلق حلف جديد ( مشروط) بعد ان قدم كلا الطرفين تنازلات قاسية منها لاءات قحت الثلاثة، وخروج الجيش من العملية السياسية فضلا عن أخرى.
والتي ما ان اعلن عن موعد التوقيع على الإتفاق الاطاري الذي يدور حوله لغط كثير الا وتعالت الأصوات المهددة من جهة، والمقللة من شأن البرهان من جهة أخرى.
انصب الهجوم على السيد رئيس مجلس السيادة وحده وكأنه هو من قرر منفردا اتخاذ القرار، ولو افاقوا من الصدمة وتدبروا لوجدوا ان من المستحيل استقامة الأمر بما تبادر الى ذهنهم، ولفطنوا ان ليس من مصلحة البرهان ولا البلاد التي استأمن عليها كقائد لقوات الشعب المسلحة ان يتهور في هكذا قرار مصيري دون موافقة مؤسسته العسكرية وكافة الأجهزة الأمنية، ودونكم اللقاءات المتكررة بينه وضباط الجيش برتبهم المختلفة سوى داخل القيادة أو في الميادين. ويقيني ان البرهان لو لم يأخذ منهم ضوء اخضر من أعلى رتبة الى اصغرها ونال مباركتهم لما فعلها. وكذا الحال لنائبه القائد حميدتي.
المؤسسة العسكرية يا سادة من الداعين للفتنة والساعين لتأليب الجنود والشارع الثوري تعي ما تفعل، وثقتنا في منظومتنا الأمنية التي تتفوق على رصيفاتها في إفريقيا عدة وعتاد كبيرة، وهو ذات الحال لاستخباراتنا العسكرية والأمنية كافة التي تلتقط بحاستها الوثابة كل ما يحاك ضد الوطن وتعرف متى تنحنى للريح ومتى تنتفص وتتصدى. وقد تعهد البرهان في أكثر من محفل ان الجيش (حتى ولو من شرفة) المجلس الأعلى للدفاع سيحمى الفترة الانتقالية، واعتقد انها عبارة حمالة أوجه وربما يحميها ممن يتوعدونها الآن من جهة، أو من اي نوايا يمكن ان تتربص بالبلاد من حكام الانتقالية.
كما اسلفت في مقال منذ اشهر وما اشبه وضع اليوم بالبارحة والمبادرات والأجسام تأبى ان تلتئم وتقدم كغيرها تنازلات، ان اي حل لابد ان يمضي بمن حضر فى ظل تشابك، وتقاطعات، ورفض، وتمترس لا ولن بنتهى والبلاد ينوء ظهرها بالإحن، وما زالت المساحة مفتوحة لبقية القوى للحاق باقرانهم خلال الاسابيع قبل التوقيع النهائي وليتها تفعل وتقدم المصلحة الوطنية على الذاتية، ويقيني ان اغلب الرافضين والمترددين من الأجسام السياسية، والهتيفة من المتابعين لديهم مآرب ومكاسب شخصية يخشون فقداتها، فيما يطمع البقية في أخرى تبددها الاتفاقية.
على كل ما سيحدث ان قدر له ان يتم خيار قاسي سيما على العسكر وأوضاع البلاد تتراجع دون تقدم في ما تمت الدعوة إليه من توافق وطنى، وقد وجدوا انفسهم أمام خياران أحلاهما مر، فالنلتمس لهم العذر وندعمهم ففي دعمهم تقدم على حساب الفئة الأخرى التي نتمنى ان تصمد أمام التحدى والفرصة الجديدة، وهذه المرة الهجوم عليها أكبر حتى قبل ان تبدأ، وهي إما ان تصمد بتقديمها رجال يواجهون الطوفان بالافعال لا بالاقوال، وتنأى عن اصحاب الحلاقيم الذين اداروا البلاد على طريقة اركان النقاش، اما ستجد نفسها خارج الحلبة في غضون أشهر هي أماني وتكهنات الذين يقفون ضد الاتفاق القادم.
فاليمضي البرهان وركبه الى ما فيه خير البلاد، فأرواح وآمال ومعاش شعب ومواطنون لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري في رقابهم يسأل عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، وعلى المستنكرين ان ( يعصروا على روحهم ليمونة) ريثما ينقضي العامان وتنعم البلاد بحكومة منتخبة بعيدا عن ما يجرى من فوضى ارهقت البلاد والعباد