(على كل) .. محمد عبد القادر .. (فضل وتاركو) .. (نزاع الغبينة وخراب المدينة)!
آثرت أن لا أغمس قلمي في مداد الكتابة عن الخلاف بين فضل محمد خير وشركائه السابقين في (شركة تاركو)، لعدة أسباب، أهمها تعقيدات الخلاف ومراحل تفاقمه بين المحاكم داخل وخارج السودان، نأيت بنفسي حتى أكون على بيِّنة من الأمر، وهذا ديدني كي لا أصيب أحداً أو قوماً بجهالة، لأنّ الكلمة أمانة وموقف لا ينبغي أن تطلق للمجاملة أو تطييب الخواطر ومهما كانت (الظروف).
الأمر الآخر، يرتبط بمبدئي القائم على النقيض مما يعتمده البعض (انت تأمر يا حبيبنا وتلقى كل الدايرو حاضر).. وللأسف فإن المجاملة و(الدوافع الأخرى) و(الظروف) الملازمة لكتابة البعض عن القضية، أحدثت تغبيشاً في الحقائق لا يليق بمهمة الصحافة ولا رسالتها القائمة على البحث عن الحقيقة.
وللامانة ومن منصة المراقب، فإنّ (تاركو) كانت أكثر رزانةً في عرض قضيتها بعيداً عن التحشيد وتحريض الإعلام على الكتابة رغم ما حاق بها من أذى ومضايقات واستهداف وملاحقة قضائية في الداخل والخارج انتهت بإيداع مديرها العام (سعد بابكر) الحراسة منذ شهر يوليو الماضي و(الساقية لسة مُدوِّرة).
من حق السيد فضل محمد خير أن يُلاحق قضائياً من يشاء، وأن يسعى لاسترداد ما يراه حقاً ويراه كثيرون غير ذلك، ولكني أذكِّره بأمرين، الأول، تجربته شخصياً مع الظلم، واعتراضاته الجهيرة على ما حاق به من حيف، بدأ بتصنيفه ضمن (القطط السمان) خلال عهد الإنقاذ في الحملة التي شنّها صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات، وحتى قرارات مصادرة أملاكه بواسطة لجنة إزالة التمكين، يعلم الجميع أنه وللخروج من (قبضة قوش)، اضطر فضل آنذاك لدفع خمسين مليون دولار عداً نقداً لشراء حريته وبراءته، وها هو يقدم الآن على حبس شريكه لمدة ستة أشهر قبل أن يدينه القضاء.
يحدث كل هذا، علماً بأن (تاركو) التي تثار ضدها قضية، محبوس فيها مديرها سعد بابكر ببلاغ من بنك الخرطوم، كانت جزءاً من تسوية فضل التي أنهت القضية آنذاك.. والسؤال الجوهري والمهم لماذا يستخدم فضل ما استخدم ضده سابقاً لتوريط شريكيه السابقين في اتهامات بالتهرب الضريبي وغسل الأموال، علماً بأن أساس تسوية فضل محمد خير ومن بين تهمه الحصول على مرابحات صورية حينما كان شريكاً فاعلاً تاركاً في تاركو، قامت على قفل الملف بالتسوية التي ارتضاها ودفعها وخرج بها إلى فضاء الحرية، وقد كان السبب حينها الحرص على سمعة بنك الخرطوم الذي يضم كثيراً من الأجانب في قائمة عملائه، فكيف يرتضي فضل أن يحاكم شريكيه في بلاغ أغلقه شخصياً بدفع التسوية الدولارية للجهات المختصة، ومَن الذي أوعز لشيخ البنوك بالعودة الآن لمنصات المحاكم، ضارباً بسمعته عرض الحائط..؟
مازال مدير تاركو الأخ سعد بابكر (الذي لا علاقة لي به ولم التق به في حياتي)، محبوساً للشهر السادس بلا إدانة في تهمة لا تقوم على حيثيات مُقنعة على الأقل بالنسبة للرأي العام، خاصةً وهو يدير ناقلاً وطنياً أصبح مهماً للسودانيين ومميزاً في خارطة البلاد الاقتصادية.
ومما يُعزِّز من براءة (ملاك تاركو) في مواجهة فضل محمد خير، أنه فتح بلاغاً ضد شريكيه (قسم وسعد) اتهمهما فيه باختلاس أموال مملوكة له من شركة (بلو نايل) بالشارقة بالرقم (4340)، وقد تم رفض الدعوى وإلزامه بالرسوم والمصاريف في الشق المدني فبراير 2012.
خارجياً، كذلك خسر فضل جولة أخرى ضد شركائه السابقين بعد أن ادعى امتلاك 50% من طائرات (تاركو المسجلة في غامبيا)، الشرطة التي نظرت القضية هناك قالت إنّ (الشكوى التي قدمت في (قسم الخالق بابكر مقيم في دولة الإمارات) بغرض التحري حول نشاط إجرامي ينطوي على سرقة عشر طائرات تتبع لشركة (ميد افريكا افييشن) والتي يعتبر الشاكي مساهماً فيها، وبعد سلسلة من التحريات والاطلاع على المستندات استبعدنا – والحديث للشرطة الغامبية – أي بيِّنة لامتلاك (ميد افريكا) للطائرات، كما أنها لم تجد السيد قسم مسؤولاً عن أي نشاط إجرامي أو أي شيء يقتضي القيام بتحريات جنائية خاصة بسرقة الطائرات.
تمت تبرئة قسم الخالق بابكر بحسب تقرير صادر عن مكتب الاستخبارات الجنائية والانتربول المركز الوطني المركزي بغامبيا من كل التهم، وتم التأكيد على أنه ليس مطلوباً فى أية دعاوى جنائية، كان ذلك في أكتوبر الماضي.
تقدمت تاركو على، فضل في مضمار العدالة بهدفين نظيفين جعلته ينقل ملعب المواجهة القضائية للداخل، هذه الخسارة كانت تقتضي أن يعيد الرجل البصر كرتين فى محاولاته المتكررة لملاحقة وإدانة شريكيه السابقين، لكنه لم يفعل.. وها هي المحكمة التجارية في الخرطوم تصدر قراراً قبل أيام في بلاغ (شركة تباركو للطيران المحدودة فضل محمد خير) ضد شركة تاركو للحلول المتكاملة المحدودة (سعد بابكر وقسم بابكر) وآخرين بالحجز على أسماء الأعمال (تاركو اير، مركز تاركو لصيانة الطيران، تاركو لخدمات المناولة الأرضية، القرار أرجأ الفصل في طلب تعيين حارس قضائي لحين سماع بيِّنة المقدم ضدهم الطلب.
المفارقة والمفاجاة التي لن يتوقعها الجميع ومن شأنها تعزيز نقاط تاركو في سباق براءته، أنه وبمراجعة المسجل التجاري فإنه لا وجود أصلاً لـ(قرار المحكمة التجارية) ضد (تاركو للحلول المتكاملة)، لأنه ومنذ العام 2018 فإن أسماء الأعمال، (تاركو اير، تاركو لصيانة الطائرات وتاركو لخدمات المناولة)، كلها كانت مملوكة لـ(شركة مرحومة) توفيت في العام 2019 وتم سحبها من السجل التجاري. والغريب انه وحتى الشركة الشاكية تنازع الآن تحت إجراءات التصفية بالمحكمة.. كل هذا وأسماء الأعمال التي شملها القرار ليس لها أي أصول لا في حياتها ولا حتى بعد وفاتها، وبالتالي فإنه اذا تم تعيين حارس قضائي حسب ما طلب السيد فضل محمد خير فلن يجد ما يحرسه بالتأكيد…
رأيي، إنّ فصول القضية مازالت تمضي بوتيرة يعوزها المنطق ضد (سعد بابكر وقسم الخالق بابكر)، سعد مازال محبوساً يقضي عقوبة السجن بغير إدانة، وقسم الخالق بابكر ما زال منفياً في الخارج لا يستطيع أن يعود لوطنه، بينما يقدم الرجلان خدمة جليلة للاقتصاد الوطني وللمواطن السوداني الذي يحترم (تاركو) كـ(طيران وطني)، قدم له الكثير من الحلول وخاطب احتياجه لناقل محترم (أسمر ومشلخ).
ربما يشفي أي قرار يقضي بإنهاء حياة (شركة تاركو) – التي لم تكن ضمن عملائها يوماً – غليل فضل محمد خير، صاحب الحق في ملاحقة من يشاء، ولكن أين الدولة من حراسة أجسام البلد الحيوية وشركاته المتطورة في مجال حساس مثل الطيران، في زمن عزّ فيه التجويد والتميز، ولماذا تتفرج والحقائق واضحة وجلية ولا تستعجل حسم هذا النزاع المدمر، خاصةً وأنّ (تاركو) ما زالت تتقدم بحكم ما نالته من براءة في مواجهة الاتهامات خارج الأرض، وهل يعتبر فضل محمد خير بمنأى عن الاتهامات التي يثيرها في مواجهة شركائه، وقد كان فاعلاً تاركاً قبل اشتعال الخصومة؟!، الغريب في الأمر أنه وقبل كل هذا المسلسل الطويل قدم تنازلاً مكتوباً عن الشراكة مع من يلاحقهم الآن، كما أنه تم فسخ العقد والارتباط بينه وشريكيه بموجب الدعوى التي نظرتها محكمة الخرطوم التجارية (38/2018) والمقدمة من شركة تاركو للحلول المتكاملة، ضد شركة تباركو للطيران المحدودة.
إذن، شاطروني الحيرة والاستغراب، وابحثوا معي عن العدالة في ظل هذه الحيثيات الواضحة التي تنسف أصل القصة من البداية.