بعد قمة الرياض السودان في دائرة الصراع الصيني الأميركي بروفيسور صلاح محمد إبراهيم
يبلغ الناتج القومي للصين الشعبية حوالي 18 ترليون دولار ، بينما يبلغ الناتج القومي الأميركي 225 ترليون دولار، ويتوقع أن يتساوى البلدان بحلول عام 2030، وفي تنافس محموم بين الدولتين بعد تبني الصين مبادرة (الحزام والطريق ) ظهرت بوادر صراع بين الدولتين خلال الفترة الماضية .
بدات العلاقات العربية الصينية بدعم حركات التحرر الوطني منذ الخمسينيات، وانتقلت الى التعاون الاقتصادي وأصبحت الصين الشريك الاقتصادي الأول للدول العربية، وهي الدولة الأكبر من حيث الاستثمارات ، ووفقاً لأخر التقديرات فإن حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي يصل إلى 330 مليار دولار.
جاء اشتراك السودان في القمة العربية الصينية الأولى بالرياض بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 9 ديسمبر 2022 ، بعد مشاركته في يونيو الماضي في مؤتمر السلام والتنمية بين الصين ودول الفرن الأفريقي ، كما جاءت في ظل تحذيرات أميركية لدول المنطقة من عقد شراكات مع روسيا والصين ليست بعيدة عن ذلك، وقد عززت هذه المشاركات دور الصين باعتبارها الشريك التجاري الأول للسودان والتي ظلت تقدم المنح والفروض للسودان أكثر من كل دول العالم خارج المنطقة العربية ، وللصين مشروعات مشهودة في السودان منذ سنوات طويلة في مجال الجسور والبنيات التحتية والبترول ويقف قصر الصداقة للمؤتمرات شاهداً على تعاون قديم بين البلدين منذ السبعينيات قبل أن تؤسس بعض الدول العربية علاقات دبلوماسية معها.
عقدت القمة العربية الصينية في أطار مبادرة ( الحزام والطريق) التي استثمرت فيها الصين مئات مليارات الدولارات في انشاء مواني وطرق سريعة وسكك حديدية لتسهيل التجارة مع بلدان العالم ومنها الدول لعربية.
مشاركة السودان في القمة العربية الصينية تزامنت مع ضغوط مارستها الولايات المتحدة الأميركية على الأطراف السودانية للتوقيع على ما عرف بالاتفاق الإطاري بين الفرقاء السودانيين المتشاكسين، وهو تدخل في جانب منه قطع الطريق أمام التدخلات الروسية والصينية المتنامية في القارة الأفريقية ،في ظل تراجع في السياسة الأميركية في القارة خلال السنوات الماضية وتركيزها على مكافحة الإرهاب وتواضع المساهمة الأميركية في التنمية وتراجع المساعدات الاقتصادية مقارنة مع المساعدات والقروض الصينية الميسرة ، وبينما تبني الولايات المتحدة علاقاتها مع السودان تأسيساً على معايير حقوق الانسان والديمقراطية ، وهو ما يدخلها في دائرة النزاع مع اطراف داخلية وشبهة التدخل في الشئون الداخلية ، نجد أن الصين في علاقاتها لا تبني سياستها على الضغوط أو فرض الشروط والإملاءات على الدول ، ولكن رغم ذلك نجحت واشنطن مؤخراً بعد وصول سفيرها الجديد في الخرطوم في احداث اختراق بين الفاعلين السياسيين الذين اصبح بعضهم خاصة من جانب مجموعة الحرية والتغيير (المجلس المركزي ) اكثر قرباً من واشنطن ، ومع افتراض نجاح التسوية الجارية التي تواجه رفضاً من اطراف سودانية ، يتوقع أن تواجه الحكومة الانتقالية المرتقبة تحديات اقتصادية تدخلها تحت ضغوط جديدة من قبل مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشروطهما المجحفة المسببة للازمات الداخلية ، خاصة وأن عطاء الدول الغربية من خلال المنح الشحيحة التي تقدمها لا يغطى أو يستجيب للكثير من المشكلات الداخلية التي سوف تواجهها الحكومة الانتقالية القادمة وفي مقدمتها المشكلة الاقتصادية.
منذ أن عينت الصين الدبلوماسي المخضرم شيويه بينغ مبعوثها الجديد في القرن الأفريقي ، اصبح واضحاً أنها تريد أن تلعب دوراً قوياً للمساهمة في التعامل مع القضايا والمشكلات السياسية والأمنية الأفريقية ، خاصة في منطقة القرن الأفريقي ، و هو ما يعتبر دليلاً على تحول في التقاليد التي سارت عليها السياسة الخارجية الصينية في أفريقيا منذ سنوات طويلة ، فبعد أن كانت تركز على تقديم المساعدات والمشروعات غير المشروطة دون التدخل في السياسات الداخلية للدول الأفريقية، يبدو أن مؤتمر السلام والتنمية بين الصين ودول الأفريقي الذي عقد في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في 20 يونيو 2022، مؤشراً قوياً لهذا التحول الهام في السياسة الخارجية الصينية .
حضر المؤتمر الذي رعته جمهورية الصين ممثلين من كل من الصومال والسودان وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وجيبوتي، وتغيبت عنه أريتريا، ووفقاً لبيان صدر عن المؤتمر، تم التركيز على الجوانب التالية:
1- أن المشاركين يؤيدون رؤية شاملة من أجل العمل للحفاظ على السلام والأمن.
2- التسوية السلمية للخلافات والنزاعات.
3- السعي للتسوية السلمية من خلال الحوار والمفاوضات.
ومن خلال تصريحات المبعوث الصيني الذي زار المنطقة في مارس 2022، كان واضحاً أن الصين لم بعد لديها مانع من التوسط والمساعدة في حل النزاعات الصينية وتسوية الصراعات في المنطقة وأن الصين تسعى للقيام دور اكثر نشاطاً داخل منطقة القرن الأفريقي التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة وتشهد اضطرابات عديدة ، وعلى الرغم من أن المؤتمر لم يناقش مشكلات بعينها ، فإن الصين تتمتع ا بمميزات تعزز مكانتها في القارة الأفريقية وفي السودان مستقبلاً منها:
1- تقديم القروض الميسرة غير المشروطة.
2- تفوقها خلال السنوات الأخيرة في تصدير السلع الرخيصة للقارة الأفريقية.
3- عدم التدخل الشئون الداخلية لدول القارة والمشاركة في الانقلابات العسكرية أو التأثير على أنظمة الحكم.
بحكم استثماراتها الكبيرة في المنطقة تستطيع الصين أن تؤثر في تسوية النزاعات ، ويشير( زاك فيرتين ) من مركز بروكنج في واشنطن أن التأثير الصيني من خلال تواجدها العسكري في جيبوتي والقروض والتجارة والاستثمارات يمنحها ميزة أن تتمكن من الحصول على تنازلات مستقبلية بسبب تراكم الديون ، قامت الصين ببناء أكبر خط للسكك الحديدة في المنطقة في كينيا ، ولها العديد من المشروعات في كل من السودان وجيبوتي، وتساهم في بناء سد النهضة الأثيوبي.
من المؤكد أن الدور الاقتصادي والتجاري الكبير الذي تقوم به الصين في القرن الأفريقي والدول العربية يؤهلها لأن تقوم بدور سياسي له تأثيره في المستقبل، خاصة في ظل تراجع الدور الأوروبي والأمريكي وبعض الخلافات بسبب أزمة الطاقة والملف النووي مع بعض الدول في المنطقة العربية وتركيز واشنطن على مكافحة التطرف والإرهاب دون تقديم حوافز تنموية كبيرة وغير مشروطة لدول العربية والأفريقية التي تحتاجها، وهو ما افسح المجال لتنامي التدخل الصيني في القارة الأفريقية والمنطقة العربية بسبب فائض الأموال الضخمة الذي توفرت للتنين الصيني.
لقد أدركت إدارة الرئيس بايدن مؤخراً خطأ التراجع الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي فقررت تعيين مبعوث جديد لمنطقة القرن الأفريقي ، هو ديفيد سترفيلد وقد فسر ذلك بسبب تنامي النفوذ الصيني وإخفاق المبعوث السابق جيفري فيلتمان في تسوية نزاعات المنطقة والخلاف مع إثيوبيا حول تسوية النزاع مع التيغراي، وتم تعزيز هذه الخطوة من قبل بايدن بعودة بعض القوات الأمريكية إلى الصومال بعد انتخاب محمود شيخ رئيساً للصومال في مايو الماضي، ويبدو أن واشنطن لا تواجه التنين الصيني وحده فقد صرح وزير خارجية تركيا مولود تشاويش اوغلو، بان علاقات تركيا بأفريقيا تتطور بشكل سريع ومستقر، وأن تركيا تتعاون مع بنك التنمية الأفريقي كما ان وكالة التعاون والتنسيق التركية نتواجد في 22 دولة في افريقيا ، وقال وزير الزراعة التركي خلال مشاركته في احتفالات تنصيب محمود شيخ ، أن تركيا سوف تواصل دعم الصومال للخروج من ازمته السياسية والأمنية .
تعتبر مشاركة الصين في مؤتمر السلام والتنمية في اديس ابابا، ومؤتمرات الرياض مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية ،مؤشراً لسياسة جديدة تجاه منطقة القرن الأفريقي والدول العربية ، فقد اصبحت الصين بعد مبادرة (الحزام والطريق ) تعمل على التوسع والتمدد في مناطق عديدة عبر القارات، ويقول محمد فايز فرحات مدبر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مبادرة (الحزام والطريق) أصبحت واقعاً وفرص نجاحها كبيرة .
التحدي الرئيسي الذي قد يواجه الصين هو هشاشة الأنظمة السياسية في منطقة القرن الأفريقي وبعض الدول العربية والصراعات القبيلة والأثنية والحدودية التي تعيش فيها دول المنطقة ، والتي عجزت كل التدخلات الخارجية من الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن حلها، كما أن بالمنطقة منظمات إرهابية ترفض التدخلات الأجنبية وتمارس العنف ضد الأنظمة الحاكمة التي تفتقد القدرة على السيطرة داخل حدودها، وقد تضطر الصين مستقبلاً إلى استخدام قاعدتها العسكرية الصغيرة في جيبوتي إلى التدخل لحماية سياستها الجديدة في المنطقة، وهو ما قد يخلق واقعاً ومتغيراً جوهرياً في والسياسة الصينية. .