لواء شرطة م عثمان صديق البدوي (قيد في الأحوال ) .. بعد الأربع سنين من حبس ، قدًّموهم للعدالة، أو أطلقوا سراحهم !!
ضابط الشرطة السودانية الذي أنفقت عليه الدولة، بعد اختيار دقيق وتمحيص شديد في المعاينات الشفهية والتحريرية، والتأكُّد من سلامة الجسم واللياقة البدنية وسلامة الصحيفة الجنائية، ودخوله كلية الشرطة، وتلقِّى التدريب بكافة أشكاله ، وحتى التخرُّج ، وما بعد التخرُّج ، من تأهيل وتدريب ، وممارسة عملية ثرّة في العمل الإداري والجنائي والفني . هذا الضابط ظل وعلى مدى السنين يُواجَه كل أول عام ، ويُهدَّد بكلمة الفصل التعسُّفي ، حتى ولو كان ملف خدمته ناصع البياض مثل “صحن الصيني”! يكون سيف الصالح العام مسلّط على رقبته !، ويُفصل ، ويكون مكسور الخاطر والجناح وسط المجتمع، بسبب الكلمة القاسية المُرّة (شالوهو)!.
كغيرنا وضباط الشرطة الذين تم فصلهم من الخدمة، دون أدنى جريرة ، فقد إزدادت هذه الآفة في ظل حكومة الإنقاذ ، التي شرّدت آلاف الضباط دون المرور بأدني قواعد العدالة من استيضاح ، أو تحقيق ، أو إيقاف، أو محاكمة ، أو إدانة ، مع العلم أنّ هذا الضابط هو المنوط به القيام بأهم إجراءات أُسُس العدالة من تحريات ، وحتى تقديم المتهمين للمحاكم ، بحسب مايمليه عليه قانون الإجراءات الجنائية والقانون الجنائي السوداني ، وأي قانون آخر ساري المفعول، وهو المؤتمن على الحق العام، وكل ما يحفظ حق المواطن وممتلكاته .
تم فصل الآلاف من ضباط الشرطة منذ عشرات السنين ، لكن للأمانة والتاريخ ، لم يلتفت لهذا الملف الذي يحمل كل معاني الظلم والقهر والتسلُّط ، إلا وزير الداخلية الحالي ، الأخ الفريق أول شرطة عنان حامد ، رغم أنّ شهادتي فيه مجروحة ، فهو أحد مرؤوسي وابن بيئتي ، لكن منذ أيام تكليفه وبعد تهنئتي له ، ليس لي معه أي تواصل ، حتى لا أُحسَب من “الكسّارين”، وأستغفر الله رب العالمين.. وهذا شأني مع أي وزير اعتلَي منصب وزارة الداخلية ، ولو كان دفعتي !!.. المهم في الأمر ، قد بدأ الأخ الفريق أول عنان، في فتح ملف المفصولين تعسفياً بكل شجاعة ، رغم الظروف الأمنية القاسية التي تمر بها البلاد ، من غياب للدستور وهياكل سلطة متهالِكة ، وإمكانيات شرطية شحيحة، وقوات متساقطة يوماً بعد يوم ، واستقالات ضباط “بالكوم”، بسبب عدم الرغبة وضآلة العائد ، والظرف المعيشي الضاغط.. رغم ذلك قد قام هذا الرجل بمعالجات من جبر ضرر ، لا تخطئها العين ، على الأقل أعادت الحق المعنوي للقادة السابقين والضباط المعاشيين ، وهي خطوة يُشكَر عليها وسيسجلها له تاريخ وزارة الداخلية .
لكن.. وبالمقابل ذات الضابط الذي تم فصله وتشريده، يُفترض أن يظل على مبدأ تحقيق العدالة، ولا يتأثّر بما وقع عليه من ظلم، ولو على الذي ظلمه يوماً ما ، وأهانه أشد الإهانة ! ، عملاً بقوله تعالي ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو أقربُ للتقوي ﴾.
أي ، لا يحملنّكم بغضكم وكرهكم للذين ظلموكم وفصلوكم واضطهدوكم .. لا يحملنّكم ذلك على ترك العدل فيهم ، لعداوتهم ، حين أمرنا رب العزة بكلمة “إعدلوا”، ثم قال : “هو أقرب التقوى”، وماهو مبتغَي الإنسان في هذه الحياة أكثر من أن ينال التقوى ؟! ، بدلاً من البحث عن رتبة زائلة ، حين قال أحد الضباط وهو يطلع على كشف الإحالة ، فوجد إسمه في مقدمته ، متحسِّراً ، وهو ينظر نظرة أخيرة للنجوم وهي تتلالأ فوق كتفه قائلاً ! :” ما كنتَ قايلِك من ورق ، جرّة قلم بتشخبتِك” !.. لكن ، طمأنه زميله ، أحيل في ذات الكشف ، رابتاً على الكتف، حين قال :
الأرزاق مقسّمة
والعُمُر محدود
والهواء عِند كريماً
بابو ما مسدود !
مانود أنّ نقوله أنّ الحكومات كانت أكثر ظلماً لضباط الشرطة السودانية، حينما فصلتهم بالجماعات دون أدنى مسبِّبات ، لكن هذا لا يعني الحياد عن الحق وقول كلمة الحق . فالذين ظلموهم ، هم الآن في غياهب السجون دون حكم ! ، لا حول لهم ولاقوة ، خلف قضبانها، ونُشهِد الله لم تربطنا بهم أي منفعة ، بل لم ننتمي لحاضنتهم السياسية ، المؤتمر الوطني يوماً ما ، ولا لأي حزبٍ سياسيٍ كان، والله على ما نقول شهيد . لكن كلمة الحق التي تعلّمناها من أول يوم في كلية الشرطة ، تُملِي علينا الوقوف مع الحق ولو كان المتهم الذي بين القضبان هو عدوّنا ، كما أنّ العدالة هي مطلوبة لكل زمان ومكان، وهي لا تتجزّأ ، وقد يمر ذات الموقف الذي هم فيه الآن على الذين يديرون شأن البلاد الآن .
أصوغ كل ذلك، وقد رشحت تصريحات من قِمّة الجهاز القضائي، وأتمنّى ألا تكون صحيحة، بأنهم كقضاء لا يستطيعون التجديد لأي شخص بالبقاء في السجن أكثر من ستة أشهر ، “وأي زول قعد أكثر من ستة أشهر ما مسئوليتهم هم كقضاء” ! .
نعم وحسب قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 لايجوز للقضاء التجديد لشخص أكثر من ستة أشهر ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا عن الذي تجاوز الستة أشهر داخل السجن دون محاكمة ، وأحياناً دون تحقيق ، وماذا لومات داخل السجن بدون محاكمة ؟!… من المسئول عنه وقانون الإجراءات الجنائية، أكبر قانون في السودان جاء فيه : لا يجوز بقاؤه في السجن أكثر من ذلك ؟! ، ومن المسئول إذا كان نفس القانون حدّد للقضاء مسئوليته عن تجديد الحبس وتفتيش الحراسات والسجون ومراقبتها والتأكد من عدم وجود أي شخص بداخلها محبوساً حبس غير مشروع ، ذلك الحبس غير المشروع الذي يعاقب عليه القانون الجنائي ؟ ! .
آخر السطور :
إنّ مسئولية العدل والقضاء جسيمة ، فقد جاء في (كتاب القضاء) ، عن بُرَيدة، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القُضاة ثلاثةٌ ،إثنان في النار وواحد في الجَنّة، رجل عرف الحق فقضَي به فهو في الجَنّة، ورجل عرف الحق فلم يقضِ به، وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق، فقضَي للناس على جهل، فهو في النار) رواه الأربعة وصحّحه الحاكم.
وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :(مَنْ وُلِيَ، القضاء فقد ذِبِح بغير سِكّين) رواه أحمد والأربعة وصحّحه ابن خزبمة وابن حِبّان.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك
لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
14ديسمبر 2022