(بينما يمضى الوقت) .. أمل أبوالقاسم .. يوم في السودان
ذات مرة وفي طريق عودتنا من ولاية شمال كردفان مدينة الأبيض، وكان وقتها غيوم الخريف تظلل الطريق وترسم حوله والشجيرات المتراصة على امتداده لوحة غاية في الروعة اسرجت بخيول مخيلتنا نحو آمال متواضعة على تعاظمها من منطلق المشاهد التي تتخللها من بيوتات متناثرة هنا وهناك على امتداد الطريق. فقلت للرفقة من الأسرة: ماذا لو كتب الله لنا مقاما هنا؟ كون الأمكنة لا تشبه ( خرطوم الجن) والمدن عامة وزخمها فلا تحرى عودة كهرباء أو انقاطاعها، ولا سراميك ولا حيشان وبيوت مغلفة بالاسمنت، ولا نت ووسائط ولخمة رأس. حياة هادئة لا يشوبها غبن المدائن وفعائل ساستها، اناس يعيشون بالبساطة يبكرون لجمع معاشهم مما جادت به الطبيعة ثم يرخون رؤوسهم بعد المغيب وهي خالية من هم وغم وكدر، نفوسهم صافية كما الحليب الذي يستطعمونه، لا تشوبها الضغائن والاحقاد بل السماحة وبساطة المحيا عنوانها.
بالأمس لامست ذات الإحساس وان اختلف الزمان والمكان اعرض له لاحقا، وذلك عقب حضورنا لندوة قيمة اقامها المنتدى السوداني للتنمية الثقافية والاعلام بالتعاون مع المتحف الحربي على شرف ذكرى الاستقلال المجيد جاءت بعنوان ( دور القوات المسلحة في الاستقلال وحمايته) بقاعة المتحف الحربي الذي تنشط سوحه وقاعته هذه الأيام ببرامج ثقافية تراثية ممثلة لكل ولايات السودان.
تناولت الندوة معرفة بدور القوات المسلحة التي كانت وقتها قوة دفاع السودان وقد تصدت للمستعمر قبيل اكثر من خمسين عام من الاستقلال اي منذ العام 1900 وقد افترعته الغرفة 14في تلودي مطالبة برحيل المستعمر حيث قامت مجموعة من ضباط الصف والجنود بكسر مخزن السلاح لمواجهة الضباط الانجليز وعليه تم ترقية بعضهم. وادي ذلك لفتح المدرسة الحربية التي اغلقها المستعمر لاحقا وسجن قادة التمرد عندما اندلعت احتجتجات الكيانات السياسية التي تخلقت من ضباط الجيش في عدد من مدن السودان وذلك من منطلق جمعية اللواء الأبيض، حيث خرجت اورطة السكة حديد عطبرة، واورطة 13 ملكال وغيرها وانتهى الأمر بسحق بعضهم الكثير عند معركة المستشفى العسكري الشهيرة التي استشهد فيها عبدالفضيل الماظ وعدد من الضباط، وهرب آخرون سلم بعضهم انفسهم لاحقا وحكم عليهم بالإعدام والقصة تطول.
هذا نموذج مصغر لدور القوات المسلحة في مناهضة الاستعمار منذ وقت مبكر والذي امتد الى يومنا هذا والجيش يحمي بلادنا من اي عدوان خارجي.
شارك في الندوة عدد من الأشخاص ممثلين لكياناتهم واحزابهم السياسية ذات الصلة بالحراك الثوري الذي شارك فيه الجميع وقتها بينهم ممثل حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل وآخرين تحدثوا عن قواتنا المسلحة بصورة عامة وضرورة دعمها حتى تؤدى رسالتها كما ينبغي لها ان يكون.
والبرنامج في خواتيمه اعتلت المنصة شابة سودانية الملمح والهوى دعت الحضور لزيارة ركنهم (جنوب كردفان) بالمعرض المقام في مبنى المتحف الحربي وتناول القهوة والعصيدة وام جنقر وقد كان لها ذلك لنجد انفسنا نعيش لحظات فصلتنا عن العالم الخارجي من وحي السودان الأصل.
غدا نحكي عنه وعن جمال انسانه الحق.