د. عبد المجيد عبدالرحمن أبوماجدة يكتب في (صهيل الخيل) .. قرية “اموري” المحروقة بمحلية بليل الفاجعة التي هزمت إنسانيتنا
“1”
كل السودانيين بالداخل والخارج تابعوا بشغف وحزن عميقين واهتمام بالغ ، الاحداث المؤسفة التي وقعت قبل اسابيع قليلة في ولاية جنوب دارفور بمحلية بليل ، التي لا يفصلها عن مركز مدينة نيالا إلاّ معسكر “كلمة” للنازحين الذي يحكي هو الاخر عن مأساة إنسانية حقيقية منذ أكثر من عشرين عاماً .
“2”
كانت هذه الاحداث مسرح جريمتها وفصول مآساتها “وتراجيدياتها” الحزينة محلية بليل والتي تقع على مقربة من رئاسة ولاية جنوب دارفور مدينة نيالا “البحير” فكلما ما جرى فهو مدان ومرفوض بحق كل الشرائع والاعراف والقانون .
“3”
إنّ هذه الاحداث التي وقعت في الجزء الشمالي والشمالي الشرقي من محلية بليل تركت جراحات عميقة وشروخ مجتمعية كبيرة بين المكونات القبلية التي تقطن في محلية بليل .
إنّ هذه المكونات القبلية كانت في السابق قبل هذه الاحداث تتقاسم الأفراح والاتراح والكلأ والماء ، ويتبادلون الزيارات ويجتمعون في الأسواق التي يجدون فيها الخيرات مثل “سوق رئاسة المحلية بليل ، وسوق تلاتاء ، وسوق اربعاء جميزا ، وسوق غبشة ، وسوق كمسكيه ، وسوق بعشوم ، وسوق تعايشة الكبير” هذه الأسواق فيها منافع لهم ويقضون حاجياتهم الحياتية اليومية ، كما انّ هذه الاسواق تشكل رافداً اقتصادياً مهماً لمحلية بليل .
“4”
ولكي يعلم القاريء الكريم بانّ محلية بليل من أغنى المحليات ال”21″ الواحد وعشرين محلية المكونة لولاية جنوب دارفور ، لما لها من اراضي سكنية وزراعية وجنائن مثمرة وغيرها من المحاصيل الزراعية ، كالفول السوداني والسمسم والصمغ العربي ، كل هذه المحاصيل يشتهر بها سوق بليل ، كما يعلم القاريء بانّ بليل هي كانت وما زالت محطة للسكك الحديد التي تعبر بها القطارات إلى المحطة الرئيسية الاخيرة وهي مدينة نيالا .
“5”
للأسف كانت لهذه الاحداث المؤلمة بان يتم تداركها من قبل حكومة ولاية جنوب دارفور على رأسها السيد الوالي المكلف حامد التجاني”هنون” ولجنة أمنه منذ اللحظة الأولى لوقوع هذه الاحداث ، قبل أن تتدحرج كرة الفتنة الملتهبة والانتقام والتشفي لتحرق عشرات القرى ، وتشرد اكثر من “25” ألف نازح ما بين رئاسة الولاية نيالا ومحلية نتيقة ، في الشمال الشرقي لمحلية بليل ، والتي لجأت إليها آلاف الأسر حوالي “9” تسعة الف اسرة ، موزعة ما بين مدينة تعايشة وقرى “شيقي وكسورة والتمراية وباتي ومرير شرق” هذه الأسر تفترش الأرض وتلتحف السماء ، و هي في حاجة ماسة للدعم الاغاثي والدعم المعنوي والنفسي .
كما يجدر ذكره بانّ المدير التنفيذي لمحلية بليل وقيادة الشرطة والأمن والاستخبارات والقوات النظامية الأخرى في بليل تقع على عاتقهم المسؤولية الاولى عما جرى من أحداث وعلى بعد عشرات الكيلو مترات من رئاسة محلية بليل .
“6”
نشير هنا بانّ محليتي بليل ونتيقة المتجاورتين تربطهما الكثير من الاواصر والعلاقات الاذلية منذ مئات السنين ، وكانت نتيقة تمثل مركز لادارة العمل الاداري والقضائي الاهلي بحيث يتبادل على محكمة نتيقة الاهلية “وقتذاك” كل من ناظر المسيرية عبدالقادر محمد عثمان وشرتاي الداجو موسى “تعريفة” وشرتاي البرقد محمد “كُبرو” في ادارة المحكمة والتي تُسمى بالمحكمة “الصبحانية” .
فكان من الطبيعي ان ينزح اهل محلية بليل الي جيرانهم واخوانهم بمحلية نتيقة المجاورة لهم .
“7”
إنّ الزيارة التي قاما بها السيد نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي القائد الأعلى لقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو و عضو مجلس السيادة الانتقالي الدكتور الهادي ادريس يحي الي ولاية جنوب دارفور وتفقدهما لمناطق الاحداث التي وقعت بمحلية بليل والتقائهما بالادارات الأهلية لقبيلة الداجو على راسها سلطان الداجو عبدالرحمن ابوه واعيانه من عمد ومشائخ ومثقفين ومجتمع مدني ، والاستماع لهما ووصولهما للنازحين المتضررين من هذه الاحداث والاستماع لشكواهم ، ورد السيد حميدتي لهم قد خفف كثيراً من آثار الصدمة وامتص الشحنة النفسية الزائدة لهؤلاء خاصة النازحين .
إنّ زيارة السيد القائد حميدتي الي مناطق الاحداث والقرى التي تم حرقها ونصبه “لخيمته” في أول قرية تم حرقها وهي قرية “اموري” او حلة صالح حسين ، جراء هذه الاحداث له عدة دلالات ورمزية ووجد قبولاً وإستحساناً من اهل القرى المحروقة .
“8”
إنّ ما حدث من قتل لانفس بريئة وحرق للقرى والمحاصيل الزراعية ونفوخ بعض الحيوانات في قرى محلية بليل فقد هزم انسانيتنا جميعاً بولاية جنوب دارفور جراء هذه الاحداث التي تنم على الجهل وانعدام الانسانية بل اهداراً لكرامة الإنسان الذي كرمه الله من فوق سبع سماوات طباقا ، كما تدل على عدم وعي المعتدين بحقوق الإنسان والتشريع الرباني بحرمة دماء الإنسان وامتهان كرامته وإذلاله ، كما تبرهن هذه الاحداث عن عدم الوعي بالقوانين والاعراف المحلية والدولية ، والتي تحرم قتل النفس إلاّ بالحق .
“9”
إنّ زيارة السيد النائب حميدتي للنازحين بمحلية نتيقة منطقة “تعايشة” وتفقده لاحوال النازحين والمجتمع المضيف لهو شعور نبيل ويوضح حجم المأساة والضرر الكبير الذي وقع على هؤلاء النازحون ، فمهما كانت الاسباب والمسببات فإنّ ما جرى في بعض مناطق وقرى محلية بليل هزمنا جميعاً وكسر إنسانيتنا وكبريائنا .
“10”
على القيادة العلياء في الدولة والحكومات الولائية والفاعلين في المجتمعات والادارات الاهلية وأئمة المساجد والعلماء والوعاظ والمرأة والشباب والحكامات والنخب السياسية والاعلاميين عليهم أدوار متعاظمة للقيام بها من أجل الانسانية وعدم إهدار كرامة الانسان مهما كانت الاسباب ، وألاّ تتكرر مثل هذه الاحداث المؤلمة التي هزمتنا جميعاً كمجتمع وكانسانين في المقام الاول !!!
*كاتب وباحث سوداني*
Abdulmajeedaboh@gmail.com