رحاب شبو تكتب الإدمان مرض يمكن علاجه
كثر الحديث هذه الأيام عن الإدمان وانتشار المخدرات حتي أصبح هاجس كل أسرة و رعب كل بيت وقد رأيت من باب التجربة العملية التي عشتها في الفترة السابقة بحكم عملي كمديرة لمركز حياة لعلاج الإدمان ومعايشتي لتجارب مختلفة في علاج عدد من الحالات من إدمان المخدرات واستشعاراً بالمسئولية التي أحملها بأن أساهم بما أستطيع حتي ولو عبرالكتابة لتوضيح بعض المعلومات لتعين و تساعد من يحتاجها ولعل هذا أضعف الايمان.
و قد كانت رؤيتي أن أكتب بين وقت و آخر متي ما سمح وقتي بذلك في أركان مكافحة المخدرات المختلفة بالتفصيل حول أهميتها ودورها والمعايير التي يجب اتباعها لتنفيذها لتؤدي الدور المطلوب وأن أبدأ بالتسلسل بدءاً من الوقاية و مروراً بالتوعية و من ثم التأكيد علي أهمية المكافحة عبر الأجهزة الرسمية و الأمنية و ذلك بمنع الاتجار و محاربة الانتشار وانتهاءاً بالعلاج و التأهيل مع التطرق و التعريف بدلائل الاكتشاف المبكر و دور الأسرة و أهميته في العلاج و التأهيل و عن العلاج المتكامل الفعّال.
ولكن استفزني كلام قرأته لأحد الإخوة الأعزاء حيث قال الجفلن خلهن أقرع الواقفات فقلت في نفسي كيف نتركهم وهم أبناؤنا و إخواننا و زملاؤنا و جيراننا ؟ كيف نتركهم وهم كانوا لنا أملاً ؟ كيف ذلك وهم كانوا قلوبنا و نور أعيننا.
كما كثر الحديث في الفترة الأخيرة وتناول الأعلام علي لسان العديدين عن عدم إمكانية علاج المدمن وتعافيه من مادة معينة بل و استحالة ذلك وكأنما كُتب عليه أن يعيش في هذه الحالة المزرية حتي يحين أجله أو يختتم هو حياته بنفسه نتيجة للإحباط أو إصابته بالاكتئاب ( وهذه مشكلة حقيقية حيث نجد أن الكثيرين حملوا علي عاتقهم مسئولية التوعية للمجتمع نسأل الله أن يجزيهم ألف خير علي مساعيهم ولكن بعضهم و بحسن نية تكون مشاركتهم سالبة و ما ذلك إلا لعدم معرفتهم بالطرق العلمية الحديثة للتوعية و عدم إطلاعهم علي المعايير الدولية للوقاية من المخدرات والتي تساعد في وضع برامج فاعلة للمعالجات، كما نجد انتشار العديد من المطبوعات في هذه الأيام تحتوي علي صور مختلفة للحبوب المخدرة و الحقن التي تعتبر من المثيرات التي يجب عدم تعريض المتعافي لمشاهدتها لمساهمتها في توليد رغبته في التعاطي و تقوده للإنتكاسة فيكون للتوعية تاثيراً سلبياً.
لذا وجدتني أميل إلى توضيح بعض الحقائق حول علاج الإدمان من المخدرات التي ربما تساعد من يحتاج وتعطي أمل لمن يرغب في العلاج.
سأبدأ بتعريف مختصر حول الفرق بين التعاطي و الإدمان، فالتعاطي هو المرحلة الأولية و الخطوة الأولى التي يخطوها الشخص في لحظة تجربة أو رغبة أو مجاملة أو دون علمه، و تسمي مرحلة اساءة استعمال المخدرات ويكون التعاطي في فترات متقطعة مثلاً إجازة نهاية الأسبوع او في مناسبة إجتماعية او في لمة أصدقاء و غيرها وقد تنتهي ولا يتعود عليها الجسم أو ربما تستمر فينتقل المتعاطي إلى مرحلة الإنذار بالإدمان و فيها يتحول الفرد الى زيادة استعمال المخدرات من جرعة واحدة الى اثنين أو أكثر و تقريب الفترة التى يتعاطي فيها و من ثم تأتي مرحلة الإدمان حيث يتناول الفرد المخدرات بصفة مستمرة و يكثر من تناولها ويعتمد عليها نفسياً و جسدياً وتزداد الحاجة لزيادة الكمية للشعور بالمتعة والنشوة التي كان يشعر بها في بداية التعاطي وفقدها نتيجة لتعود الجسم علي المادة فيصبح الشخص مدمناً لتناول هذه المادة رغم معرفة بالأضرار التي تسببها له إلا أنه يظل مستخدماٌ لها.
و قد عرفت الجمعية الأمريكية لطب الإدمان بأن الإدمان مرض ناتج عن تعاطي مادة معينة اعتمد عليها الجسم وتكون لديه الرغبة الملحة في تناولها فتحدث تغيرات سلوكية غير سوية لا يمكن التخلص منها إلا بمساعدة طبية و نفسية وللإدمان مؤشرات و علامات واضحة يعرف بها أن هذا الشخص وصل مرحلة الإدمان ( ويمكن أن نتحدث عن هذه الموشرات مستقبلاً باستفاضة).
واستناداً الي تعريف الجمعية الأمريكية لطب الإدمان المبني علي معلومات وحقائق علمية فيمكننا تعريف الإدمان بانه مرض مزمن انتكاسي يمكن علاجه ويمكن علاج العديد من المدمنين ممن يرغبون في الإقلاع عن تناول المادة المخدرة فالأمل دوماً موجود، ولكن ذلك يحتاج إلى وجود إرادة قوية من المريض ودافعية عالية و تصميم قوي علي التعافي، و يكون ذلك عبر مساعدة طبية ونفسية واجتماعية من خلال برنامج علاج متكامل ينقسم الى ثلاثة مراحل مهمة تساعد في التعافي :-
١/ المرحلة الاولي هي مرحلة إزالة السموم وهي فترة قد تمتد بين ١٠-١٥يوم تختلف من شخص الى آخر حسب نوع المادة و فترة التعاطي وشدة درجة الآثار الإنسحابية الناتجة من إيقاف تناول المادة و هذه المرحلة ليست أساسية في العلاج .
٢/ المرحلة الثانية هي العلاج والتاهيل و هي مرحلة مهمة جداً في العلاج وتنقسم الي قسمين :-
اولاً زيادة الدافعية و تعزيز رغبة المريض الداخلية في التعافي خاصة إذا كان علاجه بناءً علي رغبة أسرتة وهو مجبراً عليه .
ثانياً منع الانتكاسة ببرنامج علاجي مع المريض حول كيفية التعامل مع العوامل عالية الخطورة و مع أصدقاء التعاطي و المروجين و تحديات التعافي و المثيرات .
٣/ المرحلة الثالثة هي مرحلة الرعاية اللاحقة ويجب أن تكون هنالك متابعة مستمرة للمريض تستمر من بين ٦-١٢ شهر وهي متابعة مكثفة في العيادات الخارجية .
و تصاحب هذه المراحل برنامج الأثنين عشر خطوة أو برنامج الدعم الذاتي وهي إجتماعات زمالة المدمن المجهول (وهي مجموعات للمتعافين تساند بعضها البعض و تدعم الفرد في التعافي وعدم حدوث الانتكاسة ) ويمكن أن نتطرق إليها في مقال آخر .
و هذه البرامج العلاجية تختلف خطة تنفيذها من شخص إلى آخر باختلاف شخصيته و نوع المادة التي يتعاطاها و الفترة التي اعتمد عليها إلى آخره و يتم تنفيذها عبر فريق علاجي متكامل مدرب على أفضل طرق العلاج ويتكون من أخصائي الطب النفسي و التمريض النفسي و الإختصاصي النفسي و أخصائي الخدمة الإجتماعية و مرشد التعافي و مرشد ديني و مدرب رياضي وكذلك تأتي في الأهمية لكل ذلك وجود أسرة داعمة مساندة لابنها في فترة علاجه وتعافيه، بل و في مرحلة الانتكاسة التي تعتبر أحياناً مرحلة طبيعية يمر بها عدد من المتعافين بعد العلاج عدة مرات و قد تصل نسبة الانتكاسة عالمياً بين المتعافين قد تصل إلى 60% نتيجة لعدم الاستشفاء الكامل لكيمياء الدماغ للمتعافي وكذلك عدم قدرته علي الاستمرار نسبة لضعفه أمام المغريات وأمام أصدقاء التعاطي و الضغوط التي تحيط به نتيجة لعدم ثقة من حوله بتعافيه و عدد من الأسباب المختلفة الأخري فيرجع مرة أخري إلي تناول المادة المخدرة ، لذلك نجد أن التعافي من الإدمان يحتاج إلى إلتزام المتعافي ببرنامج علاج متكامل عبر كادر مدرب تدعمه رغبة المريض و دعم أسرته خلال فترة تعافيه .
وفي ختام حديثي لا بد أن أشير إلى أهمية إنشاء مراكز علاج الإدمان المتخصصة و فقاً للمعايير الدولية للحوجة الماسة لها حيث من الصعب أن يعالج الشخص المدمن علي المواد الكيميائية أو الكحول علاجاً خارجياً، بل بحتاج إلى التنويم والإقامة بها للمساعدة في علاجه.
– نظل نكرر دوماً و بإستمرار بأن الإدمان مرض مزمن إنتكاسي يمكن علاجه فلا تيأسوا من ذلك وليكون الأمل موجود في التعافي .