يوسف عبد المنان يكتب : ١٢ ساعة في أسر الحركة الشعبية (1)
عدت أمس للقوز (مدينتي) الدبيبات ليس مثل عودة من كان اسفه في عيونه ولا مثل عودة اعتماد خورشيد التي خلعت ملابسها ومشت عارية في أزقة القاهرة ووقفت في وسط ميدان طلعت حرب تنادي الناس بسوء ماتعرضت له في زنازين رجال مخابرات صلاح نصر أو زائر الليل الغريب كما أسماه مفيد فوزي عليه رحمة الله ولكني عدت بعدمايقارب ال١٢ ساعة من الأسر عند الحركة الشعبية لا جهة أخرى والساعات الاثني عشر قليلة بمعايير الوقت وقياس الزمن ولكنها طويلة بقياس المعاني تزكرت تجارب الأسر في التاريخ الإنساني والتاريخ الإسلامي تزكرت قصة مالك بن نبي وخير الدين التونسي الذي سطر كتابا هو الأروع فيما كتب (عجائب الأمصار وغرائب الأسفار) وانا في جبال النوبة تزكرت ماتعرض له قادة مثل تلفون كوكو ابوجلحة وقصة اخي وصديقي حامد طاحونه الذي وضع في بئر عميقه ولم يلتقطه السيارة مثل يوسف فما طاحونه الا احد فرسان قبيلة المورو رحل عن الدنيا قبل سنوات وفي نفسه حسرة على أنه لم يعثر على سجانه في باطن الأرض؛؛
حزمت حقائب سفري صباح الاثنين قاصدا محلية الريف الشرقي مدينة الكويك وقد أبلغت خالي العمدة نميري عبدالله بعزمي قضاء ليلة الثلاثاء مع الاهل والعشيرة بالكويك وفي النفس رغبة أن نذهب إلى فرقان ومصايف الاهل بتيسي وسرف الضي ولكن انا اريد والله يفعل مايريد خرجت من الدلنج نحو التاسعة صباحا والعربة الهونداي تداعب مقدمها الحفر ومطبات الطريق الأسفلتي الذي تهالك وبات السير فيه ضربا من المخاطرة بالأرواح وبسلامة السيارات تجاوزنا حي التومات والمطار الذي كان على يسارنا ومحالج القطن المعطلة منذ سنوات وبعضها تتخذه القوات النظامية ثكنات وعندما لاحت من على البعد قرية حجر جواد كانت السيارة ا(لكليك) قد أبطأت سرعتها وماتطل قرية حجر جواد في الحل والترحال الا قفذت للزاكرة أسماء في حياتنا وصورا في مخيلة من يعرف الشهيد موسى على سليمان ومن يعرف منير شيخ الدين اول من كتب عن تنظيم الكملو السري في سبعينات وثمانيات القرن الماضي ووضعه في دائرة الضوء وتنظيم الكوملو يمثل لبنة وبزرة التمرد الأولى أو الثورة الأفريقية في السودان كما زعم دلام اكول اجاوين فإذا كان تنظيم اللهيب وجبهة نهضة دارفور وجبهة فور ينا هي البزرة التاريخية لحركات التمرد في دارفور فتنظيم الكوملو واتحاد عام جبال النوبة هما الآباء الشرعيين للحركة الشعبية الحالية ومن أطلقها تنظيم الكولو ماهو الا الراحل يوسف كوه مكي إعجابا بشخصية استيفن كمولو بطل رواية أو كتاب (ابكيك ياوطني العزيز) وتدور فصولها عن كفاح الجنوب افريقيين من أجل التحرر وفي مسرح الحاضر اليوم يمثل اولاد كباشي رموزا لاتخطئها العين في السودان الفريق شمس الدين كباشي في قصر غردون حاكما وبروفسير عمر كباشي في جامعة الدلنج يتفيا ظلال تبلدية جعفر محمد عثمان وهي تقف شامخة وسط مباني جامعة الدلنج التي قامت على أنقاض المعهد التربوي لإعداد المعلمين
أمر رجلا بملابس مدنية ويحمل بندقية كلاشنيكوف عربتنا بالتوقف وهو من يختار أين تقف العربة الصغيرة والكبيرة وفي لحظات توقفت أكثر من عشرين عربة قادمة من الدلنج ومثلها قادمة من كادقلي تم ايقافهن وأمر السائقين بتسليم مفاتيح السيارات هنا أدركت بحس فطري وتجارب العمر بأن الإيقاف ليس مجرد احتجاج لقطع الطريق وإيقاف حركة السير كما يفعل ذلك ثوار ثورة خان قادتها دماء شهدائها وباع المتطيها من قادة الأحزاب شعاراتها بثمن بخس ولحظات وطوق المكان رجال تعرفهم بأنهم منسوبي الحركة الشعبية التي تسيطر لا على جغرافية المكان ولكن تدين لها جبال النوبة بالولاء المطلق والسيطرة التامة ولايغرنك حديث البعض عن جبال النوبة وعن التهميش وكثيرا من الشعارات فالحركة الشعبية المنافس الوحيد لها في السابق هو المؤتمر الوطني اما اليوم فقد خلا لها الجو وأصبحت هو سيد الناس وحدها لاشريك لها
قبل الحديث عن ماجرى في حجر جواد وكيف وقعنا في الأسر ولماذا حدث كل ذلك نزكر القارئ بمقال كتبته يوم الجمعة الماضي بعنوان (جنوب كردفان تدخل النفق المظلم) ولم يعر أحدا ماكتب التفاته فالحكام تشغله عن ثانويات الأمر وسنن السياسية الفرائض من الاتفاق الإيطاري وحلف العسكر وقحت وصراع حميدتي والإسلاميين ووقوف كل أعداء الإسلام خلف الرجل ظنا أن معركة سينقاد إليها الإسلاميين وستدكهم جحافل قوات الدعم السريع وتدفن رفاتهم في صحراء التمور والخرطوم تشغلها قضاياها عن هامش الأطراف والجنوب الجديد ولا يشعر انسان الخرطوم باوجاع الأطراف وحتى دماء الأطراف بالا ثمن ودماء الخرطوم أغلى
في صباح يوم السبت بدأت أحداث الدلنج تتصاعد بنهب أكثر من ١٣٠ رأس من الأبقار لعرب الحوازمة دار نعيلة واثنان من رعاة البقر واتجه الحرامية غربا متوغلين في أراضي تسيطر عليها الحركة الشعبية وهي أراضي لايدخلها الا من ترضى عنه الحركة الشعبية آو من رجالها المخلصين أو من فلذات كبدها العالمين في مشروعها وهب فزع دار نعليه متقفيا إثر الأبقار المنهوبة حتى داخل مايعرف بالمناطق المحررة فرجع الفزع اسفانا غاضبا وفي طريق عودته وجد مواطنين أبرياء من الأهل النوبه الانشوا فهجم عليهم الشباب وقبضوهم ووضعهم في الأسر كل ذلك يحدث لغياب الدولة وفشل السلطة وضعف الجهاز التنفيذي وحالة السيولة التي تجعل مواطن يعتقل مواطن ومواطن يضع مواطن في الأسر ودولة لاتملك الرغبة في حماية الرعاة وثروتهم ولا المزارعين وحصاد سنينهم
ولهذه الأسباب وغيرها تقطع الطرق وينهب الأبرياء ولايجدون من يحميهم كما حدث لنا اكثر من مائة شخصا تم وضعنا في الأسر والاعتقال ويطوف علينا رجال بملابس عسكرية وبيدهما أسلحة من كلاشنيكوف وجيم ثلاثة وجيم أربعة ومدافع الدوشكا ومضادات الدروع فهل مثل هذه الأسلحة يمتلكها المواطنين في حجر جواد؟؟ والذين باسمهم تم حجزنا قسرا وقهرا وتعرضنا لصنوف من التحقير والإهانة والسب والشتم وبذئ القول
وبعد أن أدركت على الصعيد الشخصي اني قد أصبحت اسيرا مثل القس هارود نيوبولد النمساوي الذي اسره جند الإمام المهدي بعد معركة شيكان وكتب مزكرات تحامل فيها بطبيعة الحال على من اسره تزكرت ماقرأت من كتاب برتوكول الأسر
وهو كتاب بالضرورة أن يطلع عليه كل إنسان معرض للأسر وبه إرشادات مهمة كيف تتعامل مع آسرك وتتجنب المواجهة
في البدء سمح لنا بالتجوال في مساحة محدودة وتناول الماء من بص تم احتجازه قادما من الأبيض في طريقه إلى لقاوة ولكن سرعان مانضب الماء وتم اقتياد عشرين من ركاب البص أغلبهم أو جلهم من المسيرية الزرق وتم وضعهم في حفرة غرب الشارع عبارة عن حوض كبير جدا استخدم ترابه كردميات وخرصانه للشارع ايام إعادة تأهيله ولم نعرف ماجرى لهم بعد ذلك جلست ومعي رفقاء الأسر على الأرض نترقب مايحدث والامانه تقضي أنصاف بعض من منسوبي الحركة الشعبية من يرتدون الملابس العسكرية وبيدهما الأسلحة لم ينهب أحدهم مقتنيات مواطنين ولم يتحدثون بلهجة جارحة ولم يضربون اسيرا ولكن شباب دون سن العشرين كانوا أكثر حماقة وايذاء للأسرى بجارح القول وضرب بعض السائقين العابرين وأكثر ماكان يصيبنا بالإحباط التفريق بين مواطن واخر على أساس اللون فأهل المنطقة يعبرون الحاجز دون أن يساهم احد وبعض العربات تنقل المواطنين من سوق الدلنج إلى كل القرى الواقعة على الشارع ولا يسالهم سائل ولكن أكثر من عشرين عربة تعمل في مشروع تأهيل مطار كادقلي وتنقل الحجر المكسور من الأبيض إلى كادقلي مسافة ٢٨٩ كيلو مترا انظر ضخامة تكاليف التعمير وعربات أخرى تعمل في طريق الدلنج هبيلا الذي يعتزم الفريق شمس الدين كباشي ضربة بداية الإنشاء الأسبوع المقبل كل تلك العربات التي تتبع لشركة زادنا المملوكة للجيش تم حجزها ووضع سائقيها في الأسر مثلهم وبقية المواطنيين
سرعان مانسمع زغاريد لنساء عبارات من الجبال الغربية إلى حجر جواد أو الكرقل ويفرح السجانيين ونتزكر طرائف المهندس حسن صباحي حينما كان في سجن كوبر بعد مفاصلة الرابع من رمضان والمسجونيين يتسقطون الأخبار ويقولون لأنفسهم وفي مجالسهم الحكومة( قربت تسقط) الا حسن صباحي يضحك وهو رجل واقعي وفارس وأخ تجده عند الضيق يقول( هوى ياجبهجيه الناس مرتاحين وبيعرسوا والنساء يلدن اقعدوا في سجنكم دا) ونحن في اسرنا نشاهد النساء يعبرن الحاجز المسدود بالشباب الصغار ويراقبه المدججون بالسلاح ويأتي الطعام لا للأسرى ولكن للفرسان الذين قبضو علينا فأصبحنا مثل العصافير في أيادي الصغار
والخوف غريزة إنسانية ولكن عندما تنظر لتماسك النساء الأسرى مثلنا وتمر في المخيلة أحداثا عشانها ومغامرات الصبا والمعارك التي عشنا تفاصيلها والمحن في جنوب كردفان وجنوب السودان من احتجازنا مع الشهيد أحمد الرضى جابر والشهيد موسى سيد أحمد الطيب وعبدالسلام كوكو في مدينة الناصر بواسطة قوات رياك مشار وتمر زكريات سته سته الساعة سته ومعركة مطار كادقلي وإصابة سيارتي الهوندا بمقزوف واستهدافنا وحاج ماجد سوار في بيت أحمد هارون وحادثة مطار مكال والصاقعة التي ضربة الطائرة وكادت أن تسقط في منطقة ملوال شات يومها جزعنا ودخل قلبنا الخوف ولكن مولانا أحمد هارون فك الله أسره علمنا الثبات عن المحن
وتزكرت حادثة تلكوك وكبري البو وقلت لنفسي انا بقايا حرب وفضلات موت فاليكن ولكن حينما اتزكر بناتي موده وملاذ والصغيره ماب يتغلغل الخوف إلى نفسي جزعا عليهن أن طال سجني في الأسر ولكني اردد دوما
ماني قعيد بيوت القليله
كارف ريحها
وماني الأرمل النازل على التقليحه
بازل مالي للازمني شيك وضبيحة
وسايم روحي لليوم الخطوتو سنيحه
ومااسنح من الأسر ياابولامذ فالصبر مفتاح الفرج وعند الضيق تجد الصديق والي الحلقة القادمة من حديث الأسر والحرية والشمس والضياء ومستقبل وطنا مرذوء بالمحن
يوسف عبد المنان