أعمدة

*مصطفى ابوالعزائم* يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. نعم.. قصم ذلك ظهر البعير..!

شهادة الراحل موسى يعقوب في إنتفاضة أبريل 1985 م ، وقد نشرها بصحيفة آخرلحظة في العام 2012 م ، معقّباً على مقال كتبته آنذاك عن إنتفاضة أبريل 1985 م ، ورأى _ رحمه الله _ أن يبيّن رأيه وموقف الإسلاميين من نظام مايو في ذلك الوقت ، وبمناسبة ذكرى إنتفاضة أبريل ( الأصل) رأينا أن تعم الفائدة بالنشر من جديد . :

أعادنا الأستاذ مصطفى أبو العزائم في عموده (بعد.. ومسافة) صباح الخميس إلى ما يقال عن سقوط نظام المشير نميري، وهو الأطول عمراً يومئذ، إذ بقي في السلطة لستة عشر عاماً (1969- 1985).. وما يقال في ذلك كثير، ولكن ما أورد الأستاذ علي شمو- وهو شاهد عصره وليس بعيداً عن الموضوع- من أن (الاعتقالات التي نالت الكادر الإسلامي وقد كان شريكاً في السلطة، ثم غياب الرئيس نميري خارج البلاد هما اللذان قصما ظهر البعير) ، وهذا صحيح غير أن الحدثين كان خلفهما من كان له دوره الكبير في ذلك وهما:
ü« نائب الرئيس ومدير جهاز الأمن اللواء عمر محمد الطيب»
ü« ونائب الرئيس الامريكي (ريجان) بوش (الأب) وقد كان على تفاهم واتصال بالسيد مدير جهاز الأمن ومشروعه للتغيير، وقد تم ذلك كله في آخر زيارة لبوش للبلاد.
اللواء عمر -حسب إفادته في عشاء جمع بينه وبين شخصية عربية وهو معروف بولاءاته وقناعاته الصوفية- ذكر وبالحرف الواحد- وهو يشير بسبابته إلى صورة الرئيس نميري التي كانت على الحائط- أهل الله قالوا دا انتهى.. وأنا الأول..! أي هو من يخلفه، ولذلك عمل لذلك ما وسعه وهو اقناع المشير نميري بخطر الحركة الإسلامية التي تشاركه السلطة، ولابد من وضع نهاية لذلك، باعتقال قياداتها الذين كان لهم حضورهم في السلطة الدستورية والتشريعية والتنفيذية بشكل كبير ولافت، مما أثار غضب بعض أنصار السلطة في إطار ما عرف عندئذ بالصراع والتنافس بين القادمين والقدامى، بل ذهب بعض حملة الأقلام إلى القول بأن (جدادة الخلا- الحركة الإسلامية طردت جدادة البيت- أنصار السلطة ومنتسبيها..!).
وقد أثار ذلك أيضاً غضب الأمريكان بعد المصالحة الوطنية في 1977م، حيث أن النظام الحاكم كان قد دخل في مشروع القوانين الإسلامية الذي تم بموجبه إعدام الزعيم الجمهوري محمود محمد طه.. مما كرس الفرقة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، وجعلها تفكر في فرض العقوبات على النظام والإطاحة به ما أمكن.. وقد كانت للأمريكيين رؤية في ذلك عرضوها على الرئيس المصري حسني مبارك في زيارته لواشنطن قبل الإطاحة بالنظام.. وإن لم يقبل المصريون تلك الرؤية، التي كان من بدائلها للنميري عمر الطيب، والسيد الصادق المهدي، إذ لمصر تحفظاتها على الإثنين كما ذكر لي ذلك- فيما بعد- الراحل محمد محجوب سليمان المستشار السياسي والإعلامي للرئيس نميري، الذي قال لي إن الرئيس المصري قد وَصّل ذلك إلى الرئيس نميري في لقاء خاص جمع بينهما قبل سفره إلى واشنطن بعد ذلك للعلاج.
لقد كانت للسيد عمر الطيب مصلحته في إعتقالات الإسلاميين ، لا سيما وأن ما قال في ذلك العشاء مع الشخصية العربية قد وصل إلى الرئيس نميري من بعض من حضروا ذلك العشاء، وكانت للطيب محاذيره وغبائنه في ذلك الخصوص، فكثف من جهوده مع النميري للموافقة على اعتقال الإسلاميين.. وإن كان النميري نفسه بعد ما بلغه من الرئيس مبارك قد قام بتقليص نفوذ ودور نائبه، رئيس جهاز الأمن، ذلك أنه- أي النميري- كان قد أصدر قرارين كان لهما أثرهما والقراران هما:
ü« قرار بتعيين السيد الرشيد الطاهر نائباً ثالثاً لرئيس الجمهورية»
ü« وقرار بتعيين الفريق سوار الدهب وزيراً للدفاع له علويته على جهاز الأمن».
ورغم ذلك فإن قرار اعتقال الإسلاميين من الناحية السياسية والأمنية، قد كان له أثره السالب الكبير على النظام، ذلك أن ما نأى بين النظام ومشروع الانتفاضة الشعبية المعروف في ثقافة التغيير السودانية، هو عدم وجود الإسلاميين والشيوعيين- في صعيد اعتراضي واحد ليتحركا معاً- فالانتفاضة حسب ما هو معروف من محركاتها قوتان سياسيتان تسيطران على النخبة الطالبية والمهنية والنقابية، وهما حسب التجربة في ثورة 21 اكتوبر 1964 مجموعة اليسار والمجموعة الإسلامية.. ذلك أنه في الحقبة المايوية ، عندما كان الشيوعيون سنداً للنظام ، لم يستطع الإسلاميون تحريك الشارع على نحو فاعل.. والعكس أيضاً كان قد حدث عندما كانت المصالحة الوطنية ، وإلتحق الإسلاميون بالنظام المايوي مشاركين سياسياً ، ومناصرين وداعمين ، مما حال بين الشّيوعيين والمعارضة الفاعلة ضد نظام النميري، رغم ما حدث بين الطرفين والإشارة هنا إلى انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو 1971م.
وعليه كان ما قام به اللواء عمر محمد الطيب من إعتقالات وإستعداء للإسلاميين ، قد فتح الباب واسعاً لحركة شعبية تستهدف النظام، أو أضعف الإيمان لا تعترض ذلك.. ولعل هذا ما حدث عندما نزل أنصار الانتفاضة الشعبية إلى الشارع.. رغم أن الإنتفاضة كانت تستهدف قوانين الشريعة الإسلامية المعروفة يومئذ (بقوانين سبتمبر)، وكانت تستهدف من ناصروا مايو قبل المصالحة الوطنية وبعدها، وهم من عرفوا أيضاً ب(السدنة..!).
والأستاذ شمو عندما قال للرئيس نميري يومئذ – وأجهزته الأمنية تستهدف الإسلاميين – (إن وجود الإسلاميين في السلطة يحمي النظام من المظاهرات الطلابية ، ومن الإضطرابات العمالية ، والأزمات السّياسيّة ، لذلك لابد من غطاء سياسي آخر..) وهذا صحيح.. ولكن هل كان هناك من غطاء سياسي آخر يستجير به النظام ويعبر أزمته؟
لا أتصور ذلك.. فالنظام كان متهالكاً سياسياً وأمنياً وعسكرياً، ذلك أن سلام أديس ابابا- مارس 1972م قد انتهى إلى تمرد جديد، قاده العقيد جون قرنق دي مبيور تحت مسمى الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي كانت مسنودة من الولايات المتحدة وحلفائها، والحزب الحاكم – (الإتّحاد الإشتراكي) – كان هو الآخر في حالة تفكك وضعف وخلافات، ومن ثم عندما خرجت له تظاهرة رداً على ما كان يحدث كانت ضعيفة وهزيلة، مما أضعف النظام واساء إليه أكثر مما أضاف وسند.
ونعود إلى وجود نميري في الخارج- أي في واشنطن العاصمة الامريكية تحديداً- فقد كان لتأخيره وعدم وصول المعلومات إليه، فضلاً عن ثقته الزائدة بنظامه وقياداته وترتيبات إلهية أخرى الدور الكبير في نجاح انتفاضة 6 أبريل- رجب 1985.. وكان للأمريكيين- وهم على خلاف مع النظام الحاكم في فترته الأخيرة- دورهم أيضاً في ذلك التأخير، ذلك أن الرسائل والبرقيات التي قال عمر الطيب إنه قد بعث بها إلى السيد الرئيس يستعجل حضوره لم تصله.. إلا محادثة هاتفية واحدة من شخصية أمنية.. كان تشابك اسم المتحدث مع السيد منصور خالد- فيما روى أحدهم- قد جعل النميري يأمر بعدم الرد على التلفون..! فقد كان السيد منصور خالد يومها على خلاف كبير مع النظام، وهو يقيم في الخارج وينتقل بين العواصم يؤلف الكتب ويكتب المقالات.
في هذا السياق ربما كان أيضاً لهبوط النميري في القاهرة بعد مغادرته واشنطن دوره أيضاً في إخماد نار الانتفاضة الشعبية، التي كانت قد اكتملت صورتها بتعاون بين القوات المسلحة والمنظمات المهنية، التي قادت العصيان المدني والمظاهرات.. فقد عمل المصريون على الإبقاء على النميري لاجئاً في القاهرة.. كما حدث بالفعل ولسنوات طويلة.
إن ما قام به السيد اللواء عمر الطيب من اقناع للنميري بأن الإسلاميين يتآمرون عليه ، ويعملون لزلزلة النظام كان (قاصمة ظهر) للنظام أكثر من غيره من اخفاقات أخرى سياسية وأمنية، بل ومؤامرات خارجية ومحاولات عسكرية، وهبات طلابية، لم تجد كلها طريقها للنجاح وتحقيق ما هدفت إليه.
والإشارة هنا إلى الإنتفاضة الطلابية بقيادة الزعيم الطلابي الراحل أحمد عثمان مكي في سبتمبر- 1973م.. والعملية العسكرية الجهادية في يوليو 1976م التي عرفت داخلياً بعملية المرتزقة.. وكلتا العمليتين لم تصلا إلى هدفهما وهو اسقاط النظام وزعزعة الثقة، بل كانت المصالحة الوطنية بعد ذلك التي تمت على أيدي السيد الصادق المهدي في لقاء بورتسودان بتاريخ 7 يوليو 1977م.
ولا يعني هذا كله بطبيعة الحال أن النظام المايوي لم يكن في حالة تآكل أو تَردٍ في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية وغير ذلك.. فستة عشر عاماً شهدت من التقلبات ما شهدت، ومن المتغيرات الداخلية والخارجية الكثير، لابد أن يكون لها مردودها السالب على النظام الحاكم وحزبه وأجهزته، وقد تجلى ذلك إلى حد كبير في آخر إجتماع للإتحاد الإشتراكي.. الذي القى فيه النميري آخر خطاب له ثم غادر إلى المطار محفوفاً بالتظاهرات الطلابية والغضبة الجماهيرية.. التي تطورت إلى ما عرف بانتفاضة 5 رجب- ابريل 1985م.
إن الأمر في جملته يحتاج إلى نظرة فاحصة وأمانة في السرد والتقدير، وإلى استصحاب الوقائع والحقائق بالتاريخ والمستجدات، فقد كانت لمايو انجازاتها وأشهرها سياسياً اتفاق اديس ابابا للسلام، واقتصادياً سكر كنانة، وعلمياً جامعتي جوبا والجزيرة، والمعهد الإسلامي الافريقي، ومنظمة الدعوة الإسلامية كمشروع دعوي اقليمي، وما عدا ذلك لم يحدث اختراق يذكر في النفط تحديداً.. إذ تركت لنا شركة شيفرون زجاجة نفط واحدة لم تضف اليها حتى مغادرتها ولاية الوحدة في 1984م، شأن من سبقها وجاء بعدها حتى العصر الإنقاذي الحالي، الذي حدث فيه من الاضافات والمتغيرات الكثير، رغم الانفصال في 9 يوليو 2011م، وهو قصة لها فصولها.
وامتناع نائب الرئيس اللواء عمر عن استلام السلطة- كما قال شمو- ربما كان في اللحظات الأخيرة التي لها قراءاتها تقديراتها عند شخصية عسكرية أمنية كالسيد عمر، ولكن ما قال في ذلك العشاء من أن (أهل الله قالوا دا انتهى- يقصد النميري- وأنا الأول أي خلفه، فيه إشارة إلى أنه كان يتطلع لذلك أو يتمناه.. ولكن لكل حال أحوال..!

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى