يوسف عبد المنان يكتب ١٢ ساعة في أسر الحركة الشعبية (2)
توقفت عن السير في قصة ساعات طويلة امضيتها مسلوب الإرادة مع أكثر من مائة من الرجال الاشداء والنساء الماجدات وجنود الحركة الشعبية يطفون علينا يرمقون بنظرات الاحتقار ويتفحصون وجوهنا كأننا مجرمين ولسنا مجرد مواطنين عابرين اتخذتهم الحركة أسرى لديها وبضاعة للمساومة حتى تفرج مليشيات قبلية عن أربعة أسرى وموتر لامشاحة نحن في بلد أرخص بضاعة فيها انسانها واغلى اماني شبابها يوم حصولهم على تأشيرة خروج عبر المطار أو التسلل خلسة عبر الحدود المفتوحة
جاء الشباب من حجر جواد يحملون العصي وسياط من شجر العرد لمساعدة ثوار الحركة الشعبية بسلاحهم من الاربجي والجيم ٤ والجيم ٣ وكان الشباب الصغار أكثر قشامة وعنفا لفظيا وعنفا معنويا واتخذت لنفسي مكانا وسط المحتجزين وقد جفت شفتاي عطشا وغرغر البطن من الجوع والنساء يحملن الطعام إلى سجانا ولا طعام للمسجونين تأملت في الضل الوقف وماذاد وفي الناس التي لاتعرف مصيرها وفجأة جاء ألمك اي زعيم المنطقة وممثل شعبها يتبعه المدير التنفيذي لمحلية الدلنج تحرسهم قوة محدودة من رجال أمن بملابس مدنية وحينما شاهدنا ألمك فرحنا وغشانا الأمل بأن الفرج بيد الرجل قصير القامة يرتدي جلباب ابيض وينتعل حزاء إيطالي غالي الثمن وعمامة حزمة بعناية تشبه عمامة السلفيين في هذا البلد وهنا نزكر أن منطقة جلد التي تمثل رئاسة الحركة الشعبية بالجبال الغربية ينتشر فيها التيار السلفي وكثير من نسائها منقبات ومن طرائف السياسية وقصصها في هذا البلد أن الرجل الثاني في الحركة الشعبية عمار اموم كان معلما بالمملكة العربية السعودية وسلفيا متعصبا وبعيد عن التمرد ولكن حينما تعرضت منطقته لهجوم من قبل الجيش والمليشيات التي كانت تسانده في بواكير سنوات الحرب وقتل والده في تلك الأحداث وكان يؤمن الناس في الصلوات الخمس بقريته غضب عمار وحق له أن يغضب فركل نعيم الاغتراب في تلك السنوات والتحق بالحركة الشعبية من أسفل القاعدة حتى بلغ اليوم مرتبة الرجل الثاني وإذا كانت قصة تمرد عمار اموم أو التحاقه بالثورة كما يقول البعض وبالتمرد كما عند آخرين قصة تستحق أن تروي ويسبر غورها فإن وراء كل متمرد أو ثائرا قصة وقصة ألمك الذي جاء لإنقاذ الطريق وفك قيد الأسرى قد انتهت للفشل وتعرض ألمك نفسه لاهانه وتحقير وازدراء من البعض ولم يصغي لما يقوله أحدا ولكن مفاوضات ألمك مع الثوار أو المتمردين أو المحتجين قد وضعت اللبنة الأولى للمساومة التي أفضت فيما بعد لازعان مليشيات القبائل لضغوط الحكومة الولائية والأعيان لإطلاق سراح اثنان من الأسرى لدى قبيلة أو بطن من الحوازمة دار نعلية وفك موتر مملوك للحركة الشعبية مقابل إطلاق سراح ٦٢ اسيرا من عابري الطريق حيث تقلص العدد الماسور من اليوم الأول مائة واذوا تسعة إلى ٦١ حيث تمكن البعض من الهروب من جحيم الأسر بمساعدة آسريهم
فالناس هنا تتقاطع الأرحام وتتصاهر المكونات وتتمازج الدماء ولكن تفرقهم السياسة والبعض ربما ينتظر من كاتب هذه السطور الكشف عن الدرب الذي أفضى لخروجه من قبضة الأسر إلى فضاء الحرية وسنروي ذلك في السطور القادمات ولكن يجدر بنا أن نتأمل الحكمة في قول الراحل محمد إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني المختبي عن أنظار سلطة الإنقاذ لمدة عشرة سنوات حتى خرج إلى العلن برغبته كما يقول وكشف جهاز الأمن مخبئه كما يزعم مديره صلاح قوش وقتها وقد سأل الأخ الصحافي ضياء الدين بلال محاوره نقد عن كيف اختبئ طوال تلك المدة عن أنظار الأمن؟؟ في كتاب بعنوان أحاديث المخابئ كما اعتقد أو شيئا من ذلك فرد عليه نقد (ربما احتاج مرة أخرى للاختباء فلن أبوح بأسرار كيف اختبئت عن أنظار الأمن ولكن المهم لماذا اختبئت) وقصة كيف خرجت وأفرج عني في ذلك المساء ربما احتاج لمن اعانني وهو صديق ساعة الضيق مرة أخرى ولن أجده في حال البوح بكل تفاصيل ماحدث والمخابئ في السياسة قديمه لم تبدأ بنقد ولن تنتهي باختباء على كرتي و المتعافي في عهد قحت ووقد حزرني اخي واستاذي ومعلمي أحمد البلال الطيب الذي هاتفني من مقر منفاه القسري بالخليج في ذلك المساء وهو يواسيني وعندما شرحت له ماحدث قال ( اوعاك يايوسف تكتب عن من ساعدك لأنك بذلك تعرض روحه للخطر)
وأحمد البلال الطيب يقبع في المنفى القسري وارصدته مجمدة وصحيفته محاصرة بالديون كل ذلك بسبب وشايات وتقارير كزوبة عن الرجل الناجح مهنيا وتجاريا وإعلاميا واجتماعيا والبلال ولكن أحمد البلال وحسين خوجلي ممن يدفعون ثمن الأحقاد والضغائن والحسد الذي تفشي في المجتمع وعدم الوفاء وبؤس الدولة وقلة حيلة قادتها وفساد طويتهم وقد فرح البعض لحبسنا واسرنا (وشمتو) وهم ممن صدق الله العظيم فيهم بقوله إن تصبك حسنه تحزنهم وان تصبك سيئه فرحو لها ولكن لانلقي بالا لامثال من يرسلون التعليقات الساخرة حتى في قروبات الاهل فيهلل طائفيا فرحا وتضحك عجوزا شمطاء من الغابرين لافعال لاتليق بمن حمل السلاح على مر السنين وقاتلت الحركة الشعبية في معارك كبيرة وقد حدثني الأخ جقود مكوار ونحن نحتسي القهوة والشاي في فندق رديسون بلو بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم توقيع الفرقاء على اتفاق خارطة الطريق الذي اجهضه قصار النظر وبعض من المستفيدين من استدامة الحرب من جنرالات سلطة الإنقاذ وقتها المتحلقين والطائفين والركع تحت أقدام البشير حينها وممن انقلبوا عليه لاحقا وشروه بثمن بخس وكسدت تجارتهم واقبلوا على بعضهم يتلاومون
قال جقود مكوار وهو مقاتل شرس ( ياأخي أن بيدي من السلاح مايمكني من دك كادقلي وتحويلها لحطام ولكن إذا حطمتها وبكره اتفقنا نحكم كيف ومن يموت هم اهلي وأهلك انت مفتكر الحركة الشعبية لاتستطيع قطع طريق الدلنج كادقلي ولكن من يتأثر هم المواطنون الحكومة عندها طائرات تسافر بها والحكومة لاتجوع ولكن نحن مع المواطنين ولن نعتدي على مسافر في الطريق) انتهى حديث جقود فأين تلك القيم السامية التي يتحدث عنها بالأمس القريب وحجر جواد تشهد قطع الطريق بتلك الطريقة ويعاقب الناس بأفعال غيرهم
ولايملك المنصف لقراءة ماجرى الا تسجيل تقدير لوالي جنوب كردفان موسى جبر الذي هرع في اليوم التالي للحدث لمكان الحدث في محاولة للتفاوض بالحسنى وتقديم التنازلات لإنقاذ أرواح المحتجزين ولم يهاب الموقف وتقارير أجهزته قد أوضحت له كل مايحدث في تلك المنطقة ولموسي جبر موقف رجولي في سته سته الساعة سته حينما هجمت قوات الحركة الشعبية من داخل كادقلي على كادقلي وكنت شاهدا على كل شي بسالة الرجال وشجاعتهم في مواجهة الموت وإدارة مولانا أحمد هارون لمعركة البقاء والتمسك بالأمل وكان موسى جبر من الرجال الصابرين وهو أمينا عاما للحكومة لم يهرب كما هرب بعض الوزراء ولم يضعف فاسند إليه أحمد هارون أعباء معتمد كادقلي وكان خيارا لمن له كثير من الخيارات لكنه اختار أفضلها وساهم بشجاعة في استتباب الأمن وعودة الحياة لمدينة مات اكلنيكيا وسقطت عمليا ولكن إرادة المقامة وعزم الرجال جعلها تقف حتى اليوم وجاء موسى جبر لموقع احتلال وقطع الطريق ومعه لجنة أمنه من رجالات الجيش بقيادة اللواء محمد عبدالله ومدير الشرطة فاستمعت قيادة الولاية بشجاعة وحسن تقدير وصبر لحديث الأستاذ الذي هاجم الوالي وعنف لجنته وطعن في انتمائهم لأهل جبال النوبة ووصفهم بالجاثمين على صدور مواطن جبال النوبة قهرا ولم يعترضه احد وتلك من ثمرات واشراقات عهد مابعد سقوط الإنقاذ وحينما يصبح من حق الناس الاعتراض على الحاكم تجف ينابيع حمل السلاح وماحمل السلاح الا بسبب القهر والظلم وغياب الديمقراطية وحق التعبير
وفي قصة تمرد يوسف كوه مكي وماتعرض له من أذى بيد الفاتح بشاره رحمه الله إلا واحدة من قصص أسباب التمرد في وطن مجروحا في قلبه بالفشل وسوء التدبير وبؤس التقدير
وقديما قال الشاعر دمحمد الواثق
ماكنا في السودان نعاني ضيق معيشة
لوساد في السودان أهل البصائر
ونحن هنا في جنوب كردفان ننتظر أن تتنزل علينا الحلول لقضايا البلاد الشائكة ولكن في حديث الأسر شيئا من تعزية النفس وترويح عن نفس اتعبها الهث وراء مهنه اخيرا لفظتنا ولكن لم تلفظنا مدونات الإعلام الجديد غدا نواصل ماانقطع من أحاديث عن جبال النوبة ومايجري فيها من أحداث
يوسف عبد المنان