من الواضح أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية يعاني ويتجه إلى الهاوية وهنالك العديد من المعطيات الدالة على هذا ففضلاً عن تأثير الحرب الروسية الاوكرانية واستنزاف واشنطن في دعم كييف بدأت المملكة العربية السعودية في قبول عملات غير الدولار في معاملتها الخاصة بالنفط وهذا يهدد قيمة الدولار وجاء انهيار بنك سيليكون فالي وهذا يشبه بداية أحداث ٢٠٠٨ والتي كانت في مجال العقارات واليوم في مجال التكنلوجيا وكذلك الديون الكبيرة التي تعاني منها أمريكا. إنهيار بنك “السيليكون ” وأعلنت الجهات المنظمة للخدمات المصرفية في كاليفورنيا رسميا، ، عن غلق مجموعة وادي السيليكون المصرفية، المسؤولة عن بنك وادي السيليكون (سيليكون فالي SVB) في أكبر انهيار مالي منذ الأزمة المالية العالمية 2008. ويعود غلق المصرف إلى تعرّضه لأزمة سيولة وعجز عن سداد فوائد الودائع، دفعته إلى بيع محفظة استثمارية وطرح أسهم في محاولة لتوفير الأموال. واليوم سيفتح البنك أبوابه للمرة الأخيرة، حتى يتمكن أصحاب الودائع المؤمّن عليها من الحصول على أموالهم، بحد أقصى يبلغ 250 ألف دولار أميركي. ومنذ يناير 2020 إلى يونيو 2022، شهد البنك تضخماً كبيراً في الودائع من جانب العملاء، ومعظمهم من أصحاب المشاريع التكنولوجية الناشئة. وبلغت قيمة الودائع ذروتها بحلول منتصف 2022، حين بلغت قرابة 210 مليارات دولار، وكان البنك يستثمر هذه الأموال في السندات الأميركية الطويلة الأجل (لأجل 30 عاما في معظمها). كما كان البنك يقدم فوائد مرتفعة لأصحاب الودائع، كإحدى أدوات جذب السيولة إليه، لكن ما حصل لاحقا شكّل نهاية رحلة البنك. فمنذ النصف الثاني من 2022، ومع استمرار البنك الفدرالي الأميركي في رفع أسعار الفائدة منذ مارس 2022 حتى اليوم، هجرت ودائع من البنك، ليستثمرها أصحابها في السندات القصيرة الأجل. وتجاوزت عائدات السندات القصيرة الأجل -حتى موعد استحقاق 3 شهور أو 6 شهور- 5%، أي أنها مربحة أكثر من بقائها في البنك والحصول على عائد لا يتعدى 3.5%. وأمام هذه السحوبات من الودائع، وجد البنك نفسه أمام أزمة سيولة تتمثل في عدم قدرته على الاستمرار في دفع فوائد على الودائع المتبقية، وسط تباطؤ الإقراض المصرفي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة عالميا. كذلك، لم يعد بمقدور البنك تحمّل سحب المزيد من الودائع من جانب العملاء، وهو تطور جاء بالتزامن مع انهيار بنك للعملات المشفرة في السوق الأميركية، هو بنك “سيلفرغيت” الأسبوع الماضي. واضطر بنك السيليكون إلى بيع محفظة سندات بقيمة 21 مليار دولار، خسر فيها قرابة 1.8 مليار دولار، كما طرح أسهما بقيمة 2.25 مليار دولار، والهدف توفير السيولة. و الجمعة، أصدرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تقريرا خفضت فيه التصنيف الائتماني للبنك، مما نتج عنه ما يسمى مصرفيا بـ”بانك رن” (Bank Run) أي هرع المودعين لسحب أموالهم. حيث أعلنت الجهات المنظمة تعليق تداول السهم بسبب انهياره بنسبة 60% الخميس، وبنسبة تراجع 24% في تعاملات ما قبل فتح البورصة الجمعة. وتعهد بايدن بمحاسبة المسؤولين عن إفلاس بنك سيليكون فالي ومؤسسة مالية ثانية هي سيغنِتشر. إرتفاع الديون وفي السياق أدى عقدان من التخفيضات الضريبية والاستجابة للركود بالإضافة إلى زيادة إنفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى زيادة نسبة الاقتراض والدين بشكل عام في الولايات المتحدة. وفي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قال الكاتب جيم تانكرسلي إن ديون أميركا أصبحت الآن 6 أضعاف ما كانت عليه في بداية القرن الـ21، وقد وصلت إلى مستوى قياسي منذ الحرب العالمية الثانية مقارنة بحجم الاقتصاد الأميركي، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل 1.3 تريليون دولار سنوياً خلال العقد المقبل. وبحسب الكاتب، فقد تجاوزت الولايات المتحدة الحد القانوني للاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار الأسبوع الماضي، مما وضع واشنطن على شفا مواجهة مالية أخرى، حيث يرفض الجمهوريون رفع هذا الحد ما لم يوافق الرئيس جو بايدن على تخفيضات حادة في الإنفاق، مما يشير إلى تكرار سيناريو المواجهة الحزبية التي حدثت في الكثير من المناسبات خلال العقدين الماضيين. وديون أميركا المتضخمة هي نتيجة لخيارات اتخذها كل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد السواء. فمنذ سنة 2000، اعتاد السياسيون من كلا الحزبين على اقتراض الأموال لتمويل الحروب، والتخفيضات الضريبية، وتوسيع الإنفاق الفدرالي، وتوفير الرعاية الصحية لجيل طفرة المواليد، واتخاذ تدابير طارئة لمساعدة الشعب على تحمل فترتين من الركود المنهك. ويعتقد عدد من الاقتصاديين أن مستوى الدين يمثل أزمة اقتصادية في الوقت الحالي، على الرغم من أن البعض يعتقد أن نفوذ الحكومة الفدرالية أصبح واسع النطاق لدرجة أنها تحلّ محل الشركات الخاصة، مما يشكل عائقا للنمو. لكن الاقتصاديين في وول ستريت يحذرون من أن الفشل في رفع حد الدين قبل أن تبدأ الحكومة في التهرب من فواتيرها -في وقت مبكر من يونيو- قد تصبح له تداعيات كارثية. انخفاض الدولار وعلى صعيد اخر كشف وزير المالية السعودي، محمد الجدعان في حديث مع وكالة “بلومبيرغ ” الأمريكية، ان المملكة العربية السعودية منفتحة على المناقشات بشأن التجارة بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي. وقال الجدعان “لا توجد مشكلات في مناقشة كيفية تسوية اتفاقياتنا التجارية، سواء كانت بالدولار الامريكي، أو اليورو، أو الريال السعودي، لا أعتقد أننا نتجاهل أو نستبعد أي نقاش من شأنه أن يساعد على تحسين التجارة في جميع انحاء العالم”. وأشار الجدعان إلى علاقة المملكة بالصين، واصفاً اياها بأنها “استراتيجية للغاية”، وقال “نحن نتمتع بعلاقة إستراتيجية للغاية مع الصين ونتمتع بنفس العلاقة الاستراتيجية مع الدول الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة، ونريد تطويرها مع أوروبا والدول الأخرى التي لديها الاستعداد والقدرة على العمل معنا”. تساؤلات ويتساءل الخبراء عن ماهي المعالجات التي تتبعها الولايات المتحدة لتجاوز هذه الأزمات المتشابكة والمعقدة ويقول الدكتور سمير عطار الخبير في الشئون الدولية ان الولايات المتحدة ربما تلجأ للمزيد من الإقتراض الداخلي والخارجي وطباعة أوراق وربما تلجأ للدول التي لديها موارد غير مستغلة في العالم والدول الأفريقية تحديداً لتعويض خسائرها الإقتصادية وقال عطار أن هنالك دول غنية بالموارد كالسودان التي ستحاول امريكا استغلالها للحيلولة دون حدوث إنهيار لافتاً إلى أن هذا سيكون على حساب السودان وشعبه. وأضاف عطار أن هنالك دول أخرى في المحيط الإقليمي ستحاول امريكا إبتزازها بصناعة حروب وأزمات سياسية بهدف السيطرة على مواردها وقال هذه الاستراتيجيات اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل في العراق وغيرها من البلدان مشيراً إلى أهمية الانتباه إلى هذا المخططات الأمريكية.
زر الذهاب إلى الأعلى