وقيع الله حمودة شطة يكتب في (دلالة المصطلح).. دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية فى ثوب قشيب
دوائر الأبحاث العلمية، ومراكز الدراسات العلمية والبحثية مواقع مهمة فى طريق نهضة الأمم والدول والشعوب والمجتمعات، إذ أن هذا العصر عصر الكفاح والعلم والمعرفة والإبداع والإبتكار والتكنولوجيا، وبناء المهارات، واكتساب الخبرات والتجارب، وثقل العقل والوجدان والشعور والذوق بالتدريب والتأهيل، والممارسة العملية المجدية، وهذه من مطلوبات النهضة الشاملة، والإقلاع الثقافى، والشهود الحضارى.
إن أمة، أو دولة فى خارطة الوجود العالمى لا تهتم اليوم بمراكز البحوث والدراسات، ومخرجات هذه البحوث أو إهمال مقررات وتوصيات البحوث والدراسات، أمة ودولة محكوم عليها بالفناء والعجز الحياتى فى مناحى عديدة، إذ أن البحث العلمى، هو أولى الخطوات نحو الريادة والتقدم، والنهضة الشاملة ليس فى المجال الأكاديمى فحسب، وإنما فى مجالات الإدارة، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، والحكم، والسلطة، والاقتصاد، والرفاه المعيشى، والدعوة، والعلوم، والآداب، والفنون، والتراث، والإعلام والصحافة، ومجالات العلوم التطبقية والطبيعية المختلفة كذلك ، ولهذا تعتنى دول العالم الأول، أو ما يسمى بالدول الصناعية، أو دول الشمال، وهذه كلها مصطلحات تطلق على الدول الصناعية الكبرى، بينما نجد تدهورا كبيراً فى بيئة مراكز البحوث والدراسات فى دول العالم الثالث، أو دول الجنوب، أو الدول النامية، وهذه كذلك مصطلحات وتسميات تطلق على الدول المتخلفة تنموياً وصناعيا وحضاريا، نتيجة تجاهل هذه الدول والحكومات فيها دور البحوث والدراسات، وسياسات دعم وتشجيع مراكز البحوث والدراسات فيها، وضعف الإنفاق الرسمى على دوائر الأبحاث والدراسات. بل تجد فى تلك المراكز والدوائر المهملة سوء البيئات والمناظر القبيحة، وتدهور الوسائل والأدوات ، وسوء المظاهر المتحكمة فى كل ركن من أركانها التى علاها غبار الأزمنة، وتراكم النفايات، الأمر الذى لا يحمل الباحث، والعالم، ومتدربى ومساعدى الباحثين، وطلاب العلم والبحث على على الإبداع والنبوغ، ولذلك لجمال البيئة والحال أثر عظيم على الإبداع والتفوق، وقديما عد الجمال فى بيئة تقوم على أركان ثلاثة (الخضرة والماء والوجه الحسن) فى إشارة أدبية لطيفة إلى أهمية جمال البيئة، وتهيئة المكان فى خلق الإبداع والجمال والتفوق، وهذا ما تنبه له العالم الشاب الطموح الدكتور عبد الله على أحمد المدير العام الجديد لدائرة الأبحاث الاقتصادية الاجتماعية كمركز بحثى مستقل تحت رعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، غير أن كثيراً من مراكز ودوائر البحوث والدراسات سواء أكانت بمؤسسات التعليم العالي، أو الوحدات والمؤسسات الحكومية،أو مستقلة قد طالها الخراب، وتشوهت، وأهملت،و الآن تعانى كثيراً من سوء الأحوال البيئية فيها، غير أن دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، وهى واحدة من أهم وأنجح مراكز البحوث والدراسات فى بلادنا، لها حظ وافر فى رفد مراكز صناعة القرار فى الدولة، والمؤسسات بكثير من الدراسات والرؤى العلمية والبحثية، وقد طالها هى الأخرى الإهمال كغيرها من المراكز والدوائر التى بدأ نجمها فى الأفول! ودونك خير شاهد على ذلك مركز دعم القرار الرسمى التابع لمجلس الوزراء – إن الدكتور عبد الله على أحمد الرجل المهذب الذى عمل فى صمت بعيداً عن الإعلام والأضواء، أستطاع فى وقت وجيز أن يجعل دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجماعية قبلة الأنظار من فرط الحسن والجمال، وصارت مكانا لراحة البال والعقل والبدن معا لجماعة الباحثين، وطلاب العلم، ومساعدى الباحثين والدارسين فيها، فهى اليوم مكان إذا رأيته ينقلب إليك البصر وهو عزيز، وتستطيع أن تعيد الكرة مرة ومرات، وأنت سعيد.
صراحة وبكل أمانة وصدق لقد أعاد الدكتور النجيب الإدارى الفذ عبد الله على أحمد الحياة والجمال والأمل والإبداع إلى دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية بعد سنين عددا من النسيان، وسوء البيئة والمنظر الذى لا يطاق ، وضعف التخطيط فى مجال التطوير والتحسين، مما جعل البيئة مشوهة وطاردة وجالبة لليأس والإستياء، والعكس اليوم الدائرة فى ثوب زاه قشيب يستحق الإشادة بنمرة تامة، حتى صارت كما سبق محط الأنظار.
قد يعتقد القارئ، وهو يقرأ هذه السطور والكلمات أن هناك علاقة وطيدة وقديمة أو محددة بين الكاتب شطة والدكتور عبد الله على أحمد حفزت الكاتب على هذه الإشادة، لكن أرجو ألا يتفاجأ القراء إن قلت لكم والذى فطر السماء حتى لحظة كتابة هذا المقال لا أعرف من أين أجزاء السودان أتى الأخ الدكتور عبد الله على أحمد؟ وأين درس؟ وما لونه الفكرى والسياسى؟ وما قبيلته؟ وليس لى سابق معرفة به! فقط قابلت الأخ الدكتور عبد الله على أحمد مرتين، مرة كنت بصحبة أخى الدكتور على إبراهيم محمد عبد الله المشهور (بعلى ترك) العالم الاقتصادى، والباحث المعروف، وذلك فى مكتب الدكتور محمد فرح الرجل العالم، والباحث المخضرم داخل دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية عندما دخل علينا دكتور عبد الله على أحمد، فسلم علينا ثم خرج بعد دقائق معدودة، لكنى خلال هذه الدقائق المعدودة وقع لدى إنطباع أولى، أن هذا الرجل الذى سلم علينا ينطوى عن نفس كبيرة، وتواضع وفير، ويتميز برعاية العلاقات الإنسانية، وذلك من خلال هيئته، ولم أكن أدرى أن الرجل يحمل درجة الدكتوارة، وأنه من العلماء الباحثين المبدعين فى الدائرة.
والمرة الثانية كانت مفاجأة عندى عندما طلبت من الأخوين الكريمين الدكتور محمد فرح، والدكتور على ترك ونحن جالسين نتحدث فى مكتب الأول داخل الدائرة، وكان مسار حديثى إليهما من الذى أحدث هذا الإنقلاب الإيجابى فى بيئة الدائرة؟ ، وكنت قد سألتهما هذا السؤال، نتيجة انقطاعى لفترة عن زيارة الدائرة التى أجد متعة وراحة عند زيارتها، فأجابنى الدكتور محمد فرح هذا المدير الجديد، وأردف دكتور على ترك بقوله هذا إدارى متميز، فقلت لهما أنى أريد مقابلة هذا المدير الجديد لأهنأه بهذا الإنجاز الكبير، وقد لاحظت من الباب والإستقبال، وداخل باحة الدائرة، مروراً بمكاتب العلماء الباحثين، والإدارات، والمسجد، والمظلات، والجدران والمنافع، والسور كل شئ تحول إلى جميل زاه لامع، وظهرت جداول الأزهار والورود الجميلة وسط الدائرة، ورصفت أرضية الدائرة على رحابتها بالبلاط المختار بعناية وعلم، وصار كل شئ فيها جميل، وقد حدثنى دكتور محمد فرح الذى يبدو أنه يكن للرجل إحترام كبير رغم فارق السن الكبير بين بينهما ، وقال: هذا رجل يعمل فى صمت. قلت لدكتور على ترك نذهب إلى المدير الجديد، فلما دخلنا عليه، ورغم وجود شخص داخل مكتبه يحادثه نهض واقفا هاشا باشا! ، فسلم علينا سلام العارف والواصل، وعرض علينا التفضل بأريحية ، ثم صب علينا بنفسه الماء البارد والشاى، فقلت له والله أنا لا أعرفك من قبل، لكنى جئتك لأهنأنك وأبارك لك هذا الإنجاز والجمال الذى أحدثته فى دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية التى كنت أزورها من وقت لآخر، وهى اليوم بيئة في غاية الجمال والرونق، فشكرنى الرجل وحدثنى، أنه لا يزال يسعى نحو التجويد والترقى، وأن هناك برنامج لإحداث تطوير شامل.
لا شك أن الباحثين، والعلماء، ومساعدى الباحثين، والطلاب والعمال، والموظفين، والزائرين يتفقون معى أن دائرة الابحاث الاقتصادية والاجتماعية قد زانت، ولبست ثوبا جميلا، وبدت كالعروس فى حلية سارة، وتوارت عنها مظاهر البيئة المتردية والغبار الحائم ، مما يستدعى تقدير جهد هذا الشاب الطموح الدكتور العالم الإدارى الفذ عبدالله على أحمد، الذى يستحق التكريم والإشادة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومنسوبى هذه الدائرة البحثية المهمة.
ودائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية من الدوائر البحثية النشطة فى بلادنا، ولها جهود متصلة ومستمرة فى مجالات البحوث والدراسات، وقد كانت لها أنشطة كثيفة فى أيام المدير الأسبق الدكتور عبد الرحمن الدقم – رحمه الله تعالى – فقد كان هو الآخر رجلا نشطا ومهموما بقضايا البحث العلمى، ثم الدكتور المعز شيخ إدريس الأمين، إلا أن سوء أحوال بيئة العمل كان عائقاً أمام النهوض بالدائرة بصورة أفضل، حتى جاء دور الدكتور عبد الله على أحمد الذى وفق توفيقا كبيراً فى الإرتقاء ببيئة الدائرة، وجعلها فى قمة الجمال. ومن مساهمات الدائرة المتميزة فى البحث العلمى والدراسات، وهى كثيرة نشير إلى بحثوث متميزة فى عجالة نستعرض فقط عناوينها منها البحث والتقرير البحثى رقم (60) تحت عنوان (التصنيع الزراعى فى السودان – الواقع وآفاق المستقبل)، الذى صدر عن الدائرة فى العام 2016م، والذى أعده فريق بحثى مكون من الدكتور محمد إبراهيم موسى، والأستاذ عبد الله على أحمد، والدكتور عبد الرحمن الدقم بختان – رحمه الله – والدكتورة هيفاء حسن فضل، والأستاذ مصعب أحمد خيرى، والأستاذة زينب آدم أحمد. والبحث رقم (61) بعنوان ( إنتاج وتسويق الحبوب الغذائية فى السودان – القمح، الذرة، والدخن-) ، والذى أعده فريق من الباحثين هم الأستاذ عبد الله على أحمد، والدكتور محمد إبراهيم موسى، والدكتورة أمانى حسين النور، والدكتور محمد فرح جبريل، والدكتور يوسف صافى الدين عثمان،وقد صدر هذا التقرير البحثى فى العام 2016م. وبحث ثالث يعتبر من البحوث المهمة جدا الآن، وهو البحث رقم (62)، والذى صدر فى نوفمبر 2020م تحت عنوان( الآثار الاقتصادية والاجتماعية للوجود الأجنبى فى السودان – دراسة حالة: ولاية الخرطوم)، والذى أعده فريق بحثى مكون من الدكتور محمد إبراهيم موسى، والدكتور عبد الله على أحمد، والدكتور عبد الحميد إلياس، والدكتور عبيد الله محجوب عبيد الله، وهناك بحث متميز ومهم فى مجاله، وهو التقرير البحثى رقم (63) الذى صدر عن الدائرة فى ديسمبر من العام 2020م تحت عنوان ( دور التماسك الاجتماعى فى تحقيق الأمن والاستقرار فى السودان – دراسة حالة: ولاية الخرطوم)، أعده فريق بحثى مكون من الأستاذة إنتصار أحمد عبد الحميد، والدكتورة إحسان عبد الرحمن على، والأستاذ محمد أحمد محمد إبراهيم، وهذه البحوث المذكورة جديرة الإطلاع والمتابعة وغيرها من بحوث الدائرة المتميزة، ومن المقترحات التى يقدمها كاتب المقال للدائرة إدخال دراسات الإعلام والصحافة، ودراسات الكوارث واللاجئين ضمن أنشطة الدائرة لأهميتها فى الوقت الراهن، وتعزيز جانب الرقابة والتدقيق اللغوى فى البحوث والتقارير البحثية، وإصدار نشرة تعريفية متكاملة عن الدائرة فى كتيب. وهذا غيض يسير من فيض غزير عن دائرة الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية بالخرطوم غرب مكتب القبول العام.