مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة).. إطلبوا العون من السماء فقط ..
مسْكِينةٌ هي الشّعوب التي تُوهِمُها حُكُوماتُها بأنْ تنتظر الفرج من الخارج ، وخاصةً من الغرب ، مِسْكِينةُ هذه الشّعوب إن خدعها من يتولون أمر الحكم ويديرون الشأن السياسي والعام ، وقالوا لها إن هناك حكومة عالمية ستقدّم المساعدات المالية والإقتصادية والغذائية ، لأنه في واقع الأمر ، ليس هناك من يُقْدِم على تقديم مساعدة بلا ثمن ، فلا إبليس ولا مؤتمر باريس سيقدّم شيئاً ذا بال للغير ، والنُخَب السّياسيّة تعلم ذلك ، والنُخَب الوطنية والقوى الحديثة تعلم ذلك ، ولم يعد بيع الوهم ممكناً الآن إلّا في الأسواق السّياسيّة المغلقة ، التي لم يرَ المتعاملون داخلها أسواقاً غيرها ، ولا زالوا في سجنهم مغلقون .
الحكومة لن تتراجع عن الزيادات الأخيرة في أسعار المنتجات البترولية ، والمحروقات ، ولا تملك شيئاً أمام إرتفاع أسعار السلع والخدمات والمنتجات ، وهي أسعار واحدة تقريباً في كل العالم ، لكن الفرق يأتي من قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية أو القياسية ، لذلك لم تنجح محاولات النظام السابق في إحتواء الأزمات التي هجمت عليه ، وتمّ الترتيب لها بدقة ، بالعمل على فصل جنوب السودان عن شماله ، ليحدث الإنهيار التدريجي للإقتصاد ، وبالتالي لكل السُّودان ، وقد نجح المخطط كما أُريد له ب ( الحِتة ) كما نقول .
العالم الآن يتبنى سياسة السوق الحر ، والتجارة العالمية المفتوحة ، وليس هناك دولة في عالم اليوم تتبنى أخلاق الأنبياء والرسل والصحابة والمصلحين ، لتقدّم العون والمساعدة غير المشروطة لغيرها من الدول ، خاصةً إذا كانت الدولة التي تحتاج إلى العون والمساعدة من الدول الفقيرة ، من الدول التي تمارس سياسة حماية اجتماعية لفقرائها ، وبصورة أخرى تقوم بدعم سلع أساسية قد تخل بميزان مدفوعاتها ، لذلك تتجه الحكومات الرشيدة ، والتي تعمل على إنقاذ شعوبها بصدق ، تتجه تلك الحكومات مجبرة ومضطّرة إلى اللجوء لرفع الدعم تماماً عن السلع الأساسية والإستراتيجية ، لكن الكلفة السّياسيّة ستكون في غالب الأحيان باهظة الثمن ، وقد تطيح بكامل الطاقم الحكومي الذي لم يستخدم من السياسات التي يمكن أن يسيطر بها على الإقتصاد ، ولم ينجح في معالجة الخلل الكبير في ميزان المدفوعات ، ولم يستطع أن يكبح جماح التضخم الذي وصل في بلادنا إلى رقم قياسي ، تجاوز الثلاثة أرقام ، ويتجه الإقتصاد بعده بقوة وسرعة الى مرحلة الغيبوبة ، أو إلى مرحلة التوقف المفاجئ ، وهو ما يعرّفه علماء الإقتصاد بال ( Suden Stop ) .. وهي مرحلة للأسف الشديد نسير نحوها بسرعة يصعب التحكّم فيها وبها ، خاصةً وإن حكومة الثورة التي يقودها خبير وضع عليه النّاس آمالهم ، لم تنجح في معالجة الخلل ، ولم تنجح في أن تجعل ميزان المدفوعات يميل لصالح الصادر ، رغم الثروات العظيمة التي تذخر بها بلادنا ، ورغم الموارد البشرية والطبيعية والمائية والمعدنية والزراعية ، التي جعلها سوء إدارة الدولة نقمةً بدلاً عن تكون نعمة ، وسوء الإدارة هو أول درجة في سلم الفساد ، والذي إن استشرى في جسد الدولة فإنه لن يُبْقِي من الدولة شيئاً .. وهذا للأسف ما نراه اليوم يلوح في أفق بلادنا ، والذي نخشى أن يقود إلى فوضى مدمّرة ، وإضطرابات ومواجهات ، عندما يسعى كل فصيل وحزب وجماعة للإستحواذ على المقدرات والثروات العامة بإسم وجودها في منطقته أو إقليمه ، وهذا يحدث الآن للأسف الشديد ، حتى وإن لم يجرؤ أحد على الإشارة إليه .