مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة)..قيادات جديدة تسير ببلادنا نحو المستقبل
. كتبْتُ ذات يوم إن قياداتنا الحزبية في السودان ، إما صنيعة الصدفة ، وإما صنيعة النطفة ، ونحن نعلم إن القيادة هي إفراز طبيعي ، حيث يدفع المجتمع بمن يرى فيه محققاً لطموحه وتطلعاته ، لكن في بلادنا _ وللأسف الشديد _ نجد إن القيادات بعضها مصنوع ، وبعضها مرفوع على إرث الأسرة أو الطائفة ، أو المجموعات السّياسيّة المغلقة ؛ ويتمّ إختصار المكوّن القبلي في كثير من الأحيان ، في شخص الناظر أو الشيخ أو المك وغيرهم ممن يمثّلون سلطة مكتسبة بالميراث ، وهو ما عملت القوى التقدّمية أو الحديثة إلى إستبداله بالإنتخاب من داخل المجالس الشعبية أو الأهلية ، وأصبح هو سمة المدن الحديثة وأخذ إسم المدنية منها .
الثورات الشعبية عادةً ما تعقبها فترات فوضى ، تطول أو تقصر وفق درجة الوعي العام ، وقد نجد أيضاً لصوص الثورات ممّن ينتظرون غيرهم ليهزّ الشجرة ، فيسارعون لإلتقاط الثمار .
ولكن مع ذلك تظهر قيادات حقيقية ، إن توفّرت لها بعض الظروف الخاصّة خطّتْ لها تاريخاً وطنياً مشرفاً في سجلات الوطنية ، ونهضة الأمم ، وقد سألني أحد أبنائي من الصّحفيين بالأمس ، إذا ما كانت ثورة ديسمبر الشعبية قد أفرزت قيادةً حقيقية يمكن أن تقدّم منتوجاً وطنياً إيجابياً ، يُحدِث تغييراً حقيقياً على مستويات الوعي ، وتغييراً في المفاهيم القديمة .
قُلتُ لمن طرح علي ذلك السؤال ، إنه من المؤكد وجود قيادات جديدة أفرزتها الثورة ، قيادات حقيقية لكنها لا تجد فرصتها في صناعة التغيير ، والسبب هو ورثة الثورات الذين لم يفوّضهم أحد ، ومع ذلك يتغنون بالإنتصارات ودحر الطغاة والظالمين .
ضربتُ مثلاً لمن كان يتحدّث إليّ ، بالفريق أول محمد حمدان دقلو « حميدتي » وهو ما زال شاباً في مقتبل العمر ، وكيف أنه تقدّم الصفوف بين أقرانه في قوات حرس الحدود التي أصبحت لاحقاً قوات الدعم السريع ، وقد لعبت أدوار مهمة في مكافحة تجارة البشر ، وضبط الحدود ومحاربة الإرهاب ، وغير لك من قضايا تم تكليفها بها من قبل القيادة العليا للبلاد آنذاك ، وكيف أن ذات هذه القوات التي حاربت حركات التمرّد على الدولة ، وحاملي السلاح في مواجهتها ، كيف إنحازت إلى الثورة الشعبية ، هي وكل القوى العسكرية والأمنية ، ليتم تغيير النظام ، وجاء بعد ذلك من يتبنّى الثورة ويزعم أنه صانعها ومحرّك شبابها دون إعتبار لهذه المكوّنات ، التي كان موقفها هو موقف الحسم .
نستطيع القول بأن مواطناً من أقصى غرب السودان إسمه محمد حمدان دقلو ، تمتع بحسٍّ وطني عالي ، كسر طوق القبلية والجهوية ، وأحسّ بآلام غيره وآمالهم فتبنى معالجة الجراح ، وتحقيق الأحلام الشعبية ، وتمتّع بصفة التواصل الإجتماعي الجيد مع غيره ، ولديه القدرة على بناء فريق عمل ، متجانس يحقق الهدف بتناغم وأداء جيد ، مع ثقة في النفس وفي القدرات تجعل الآخرين يثقون به ، مع ذكاء إجتماعي وروح دعابة تقربه للاخرين ، مع تواضع وقبول للرأي الآخر ، وتعامل إنساني مع الغير ، ونشاط يرتبط بإيقاع سريع لإنجاز المهام ، نستطيع القول بأن هذا المواطن السوداني الذي توفرت فيه صفات القيادة التي ما كان ليكتشفها العامة لولا نجاح الثورة الشعبية ، هذا المواطن يرسم الآن مشروعاً وطنياً ، و ربما برنامج حكم يؤسّس لحزب وطني جديد ، ويدعو لدولة القيادة فيها للأصلح ، والأكثر وعياً بقضايا الناس ، وللساعي لتحقيق العدالة والسلام والتنمية ، بإختصار لمن يعمل على تحقيق شعارات الثورة .