مصطفى ابوالعزائم يكتب في(بُعْدٌ .. و .. مسَافَة).. تلقوة وحدها لن تفرض حاكماً..!
الحاكم الذي يأتي للحكم بقوة ، سيتم إقتلاعه بالقوة ، هكذا تقول تجارب البشر ، ودروس التاريخ ، لذلك ليس أفضل من الديمقراطية ، لكن البعض لا يحتمل الديمقراطية ، ويريد أن ( يتمسْكن حتى يتمكّن ) ثم تبدأ بعد ذلك الخطوة الثالثة الأخطر ل ( يتفرعن ) ويقول للناس مثلما قال فرعون لقومه : « لا أريكم إلّا ما أرى » .
في جلسة خاصة قبل أيام عُدتُ فيها ومجموعة من الأصدقاء ، الدكتور حامد البشير إبراهيم ، والي ولاية جنوب كردفان بمنزله في الخرطوم ، وهو يتلقى العلاج من الملاريا ، تحدثنا في أمور كثيرة ، وعن مواقف البعض من الرأي والرأي الآخر ، فما كان من صديقنا الدكتور حامد البشير إلّا أن أبتسم وهو يقول : ( الديمقراطية دي يا جماعة حاااارة ) وأحسب أنها كذلك ، وليس ( أحرّ ) منها سوى ( النصيحة ) التي هي قول الحق .
والحق يعلو ولا يُعلى عليه ، وهو المُنْجِي دائماً ، وهو واحد من مصادر القوّة لدى كل زعيم وقائد ، فالقائد الذي يكذب لن يكون رائداً لأهله ، فالرائد لا يكذب أهله ، لذلك مهما إمتلك الرجل من قوة فإن ذلك لن يجعل منه قائداً حقاً ، ولا تتأتّى القيادة إلّا من عند الله ، وهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب .
لم يعد سرّاً أمر الخلاف بين طرفين متنازعين داخل المكوّن الحاكم بشقّيه العسكري والمدني ، لكن الأمور ستستتب في آخر الأمر للأكثر صدقاً والأقرب للنّاس ، وسيخسر الذين أرادوا المتاجرة بدماء الشهداء ، والذين أرادوا أن يبيعوا ويشتروا بإسم الوطن والوطنية في سوق النخاسة السّياسيّة ، في وقت يعاني فيه المواطن من ضيق وعنت ، ويعاني المعلمون الذين هم أنبل العاملين في الخدمة العامة ، ويعاني الجنود الذين يحملون أرواحهم في أكفّهم وهو يزودون عن هذا الوطن ، ويعاني رجال الشرطة وكل منسوبيها أكثر من غيرهم ، وهم الفئة التي يطالبها المجتمع بتطبيق القانون وحماية الأمن العام ، ولا يجد الجندي و الشرطي إلّا الفتات الذي لا يقيم الأود ، حتى إن أكثر من عشرة آلاف شرطي تقدموا بإستقالاتهم عن العمل ، وما كان لنا أن نعرف ذلك لولا الخطاب الشجاع الجريء الذي ألقاه النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو « حميدتي » أمام وفد معلمي كونترول الشهادة السُّودانيّة قبل يومين ، وقد عرف الرجل قدر الرجال ، وأقرّ بحقوق المعلمين والمعلمات وعدالة قضاياهم والظروف القاسية التي يعملون فيها ، وقد وجه بمنحة مائة ألف جنيه للمعلمين .
إنتبه الفريق دقلو لأهمية هذين المكونين في التعليم والأمن ، وإنها لعين قائد فاحصة ، وأكد من خلال خطابه الجريء إن همّ العسكريين كان ولا زال وسيظل هو إخراج البلاد من أزماتها بينما طموح البعض في المكوّن المدني لا يتعدى « الكنكشة » والتمسّك بكراسي السّلطة ، ولا يهمهم إلى أي درك ينحدر الوطن .
القيادة إحساس بالوطن وإحساس بالمواطن ، والسياسي الذكي هو الذي يسعى إلى رفاهية شعبه لا تقديم الخدمات فقط ، ومن الغرائب والعجائب إن العسكريين أصبحوا هم المدرسة التي تقدّم الدروس المجانية في السياسة لمن يدّعون أنهم أهل حكم وسياسة .