فضل الله رابح يكتب في (الراصد).. سجلات الإعتقالات المهملة .. إحتقار للعدالة ..
حتي الآن أكمل البروفيسور إبراهيم غندور سنة وثلاثة شهور وتسعة ايام منذ إعتقاله يوم ٢٩ يونيو عام ٢٠٢٠ وكذلك أكمل أنس عمر سنة وثلاثة شهور و٧ أيام بمعني أنس يقبع مدة (492) يوما داخل سجون دولة ونظام سياسي شعاره الأساسي :( حرية .. سلام .. وعدالة) .. إنني لا أشك ومثلي كثر أن القوي السياسية الحاكمة الآن قد إستخدمت هذا الشعار شعرا للإلهاء مثلهم والأمويين حين كانوا يستخدمون الشعر في سبيل إلهاء العرب وتخديرهم وفي سبيل إرجاع ذكريات المجد القديم إلي أذهانهم لكي ينسوا بذلك أثر الإسلام في حياتهم فهو ضرب لأوتار القلوب بشعارات يفضحها الواقع الأليم الذي لا يستقيم مع الطرح الوردي المبذول للاعلام والخطابات السياسية الحماسية .. ومن المؤسف حقا أن يتحدث العساكر عن العدل والحريات والمحاسبة وإرجاع المفصولين تعسفيا الي مؤسساتهم بينما يصمت عبدالله حمدوك ومكوناته المدنية التي تدعي الحريات .. وإن الذي يسعد القلب أن الشعب قد إستفاق من غيبوبته التي أدخلوه فيها وبدأ الجميع يستعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد وأن كثير من دول المجتمع الدولي يتضح أنها جزء من هذا الترتيب الجديد الذي تقاصرت فيه مساحات التباعد بين كثير من القوي السياسية السودانية .. أخشي أن تجد مجموعة الحرية والتغيير نفسها وحدها وهي تتحمل عبئ كل التجاوزات والإعتقالات التعسفية والرفد والإنتهاكات التي تمت لكثير من الابرياء من الشيوخ والشباب فإذا أخذنا الاعتقالات السياسية ننوذجا فهي عادة ما يتحمل وزرها العقل السياسي وكثيرا ما تقفز منها النخب العسكرية كمؤسسات منفذة لتعليمات وأوامر .. والعسكريون بقدرما يرفضون للمدنيين تحمل اي نصيب من العمل والجهد العسكري والمعلوماتي كذلك يرون علي القوي المدنية التي كانت تتكفل بتوزيع وإنفاق شعار حرية سلام وعدالة ان تتحمل كل انواع منع الحريات والتضييق عليها وعليها ان تتحمل كل العمليات السياسية الخشنة التي صاحبت فترة العاميين الماضيين والتي اعادت بلادنا الي الخلف وهي التي عطلت جسور التواصل السياسي بين مكونات اليمين واليسار السوداني لانها نصبت المتاريس ونفذت الاعتقالات وهي خطوة كانت مغامرة ثقيلة الثمن السياسي وقد عقدت كل الظروف والمسارات في السودان .. إجمالا إن إعتقالات مجموعات كبيرة تحت ذمة إتهامات متعددة مثل قضية إنقلاب 1989م امثال بكري حسن صالح ودكتور نافع علي نافع وعلي عثمان ويونس محمود والطيب سيخة ويوسف عبدالفتاح وآخرين وبعض آخر تحت ذمة إتهامات بالفساد والثراء وقضايا آخري مثل تغويض النظام الدستوري وغيرها من تهم كان واضحا الغرض منها لتعطيلهم وهؤلاء كثيرون مثل عثمان محمد يوسف كبر وآدم الفكي ومحمد علي الجزولي والحاج عطا المنان والشباب فيصل نوري وشهاب برج وقائمة طويلة من العسكريين والمدنيين .. إن دولة تدعي العدالة والقانون وتكون فيها مثل هذه التصرفات غير محسوبة العواقب فهذا يعتبر غدرا لدولة الحريات وخصما علي شعاراتها الرنانة التي طرحتها .. إن الحكومة الإنتقالية تكونت بعد ثورة كان شعارها التسامح لا التشفي والعدالة لا الظلم والحرية لا القيود والسلام لا الحرب ولكن مثل هذه الاعتقالات التعسفية ستثير النزاعات والثأرات السياسية القديمة وستشعل نارا لن تخمد وأن كثير من التصرفات وحالات الظلم التي تعرض لها الرموز الذين يعاني بعضهم أمراضا مزمنة وبعضهم توفوا تحت إهمال المعتقلات ستلهب قلوب ذويهم قبل أحزابهم وستكون قصة في حلوق الكثيرين ونكسة ووصمة عار في جبين كل من يدعي الحرية والعدالة .. كان الجميع يظنون بعد الثورة أن ينتهي شكل النزاع السياسي السوداني القديم الذي يشبه نزاع ( القحطانيين والعدنانيين ) أو ذاك الذي بين (يمان ومضر ) كما كان يسميه العرب الا أن شكل الممارسات التي تمت عبر الإعتقالات التعسفية وممارسات لجنة التمكين والإنتقامات والتشهير بالناس غير أنه إحتقارا للعدالة في بلادنا سيأخذ بعدا إنتقاميا إذا أطلق سراح المعتقلين بعفو عام او عبر بوابات النيابة والقضاء طال الزمن أو قصر .. بالجد إذا طبق شعار حرية .. سلام وعدالة كان سيرفع شأن حكومة عبد الله حمدوك بين الحكومات التي مرت علي تاريخ السودان وسيصبح محمدة في نظر الكثيرين وربما جعل من حمدوك نفسه بطلا قوميا للحريات وألتف حوله إنصار المعارضة المساندة يؤيدونه بسيوفهم لكنه لم يفعل لا إدري إن كان يريد أن يحتقر نفسه وهو يمارس طور الغرور القومي والفتح المتوهم والإستعمار .. جاء التغيير كما يدعون ليقضي علي الدكتاتورية وإنتهاك حقوق الإنسان بيد أنه أقام محلها دكتاتورية أخري لم تختلف عن دكتاتوريات الإستعمار إلا بطلاء خفيف من الطقوس المدنية تلك المفردة التي إستعبدت الشباب وإستهوتهم بعبارات مثل .. شكرا حمدوك .. والمؤسس .. وهلمجرا والآن وفق متابعات حاول بعض الذين فاقوا من الصدمة يسترجعون الامور الي ما كانت عليه او الي الوضع المتوقع أن تكون عليه لكنني أخشي أن تعاجلهم المنية السياسية .. لحظتها المكون العسكري وحمدوك وحدهما يعلمان كيف ولماذا عاجلتهم المنية قبل أن يكملوا ما شرعوا به من دمار شامل .. ليت حمدوك يدرك أن العدل الداخلي أهم من التوسع الخارجي .. وأن العدل أولي من تهذيب المساجد وزخرفتها ناهيك عن القصور .. ليت حمدوك يراجع دولته ليدرك أن أموالا أنفقت في غير حقها كان عليه يجعلها في أكباد جائعة .. ليت حمدوك يدرك أن السودان يريد حاكما يمنع الشعراء من الوقوف ببابه لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويدني إليه الفقهاء والزهاد ويبعد عنه الجلاوزة ـ أولئك الذين كانوا يعبدون الله وينهبون عباد الله ويعزل كل من ولغ في دماء المسلمين والناس أجمعين وما أكثرهم من مستشاريه السياسيين ويعزل كل ظالم وإن كان ذا قرابة بالخبير الأممي .. والقرابة هنا ليست القرابة الرحمية وحدها ولكن يشمل أصدقاء الحوانيت وزملاء المهنة الذين دائما ينتفعون بصكوك الحاكم إذا لم ينتبه الحاكم .. ليت حمدوك يدرك أن نبينا محمد صلي الله عليه وسلم هو إمام الإشتراكيون لأنه جاء بدين المساواة والعدل والرحمة بالناس جميعا .. ومن المؤسف أن نري الإشتراكيون في هذا الزمان يتحولون بأفعال ملوكهم الي دين السيطرة والتعالي والقهر والسجون والإعتقالات والإستعباد .. أطلقوا سراح المعتقلين السياسيين ..