*مصطفى أبوالعزائم* يكتب في ( *بُعْدٌ .. و .. مسَافَة)..لماذا تراجعت الدعوة إلى الوحدة العربية ؟*
يتساءل كثيرٌ من الناس عن المواقف العربية المختلفة تجاه التطبيع مع إسرائيل ، رغم أن هناك دعوات سابقة للوحدة العربية من المحيط إلى الخليج ، تبنتها أنظمة حكم عربية زال أكثرها الآن وربما كان آخر الأنظمة التي زالت هو نظام العقيد معمر القذافي الذي بدأ يقوم على ضرورة تطبيق شعارات الوحدة ، متبنيّاً الفكر الناصري ، حتى أن القذافي تسمّى بإسم أمين القومية العربية ، بعد أن أشار إلى ذلك الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في خطاب جماهيري له أمام الجماهير الليبية في إحدى زياراته لطرابلس .
القذافي نفسه صرف النظر عن موضوع الوحدة العربية ، وإنصرف لطرح نفسه زعيماً ومفكراً عالمياً من خلال نظريته العالمية الثالثة المُضمّنة في إنجيل الثورة الليبية ، أي الكتاب الأخضر ، وبدأ خطوة جديدة نحو بناء ولايات متحدة إفريقية ونصّب نفسه ملكاً لملوك إفريقيا .
صحيح إن المد الوحدوي تصاعد في نهاية أربعينيات القرن الماضي وطوال عقدي الخمسينيات ومنتصف الستينيات ، ووصل بعض من تبنّوا الفكر الوحدوي إلى سُدّة الحكم عن طريق الإنقلابات العسكرية التي أسموها ثورات وهي لم تكن كذلك ، وقد كان أبرزها(ثورات) يوليو 1952م في مصر ، وحزب البعث العربي الإشتراكي في كل من سوريا والعراق وثورات القوميين العرب ، وهو ما ألهب حماس بعض صغار الضباط والشباب إلى الإنقلاب على السلطة الشرعية القائمة في عدد من الأقطار خاصة أولئك الذين إستظلّوا بما أسموه ” تنظيم الضباط الأحرار” .
الآن حدث تراجعٌ نسبي كبير وواضح في الأفكار والتيّارات والأيديولوجيّات القوميّة القائمة على أن العرب يُشكِّلون أمةً واحدةً من حقِّها أن تكوِّن كيانها السّياسي الواحد ، ولكن ما زالت بعض الأنظمة تتبنى تلك الأيديولوجيات ، وقد تمّ تقسيم الدول العربية بناء على تلك المفاهيم إلى “تقدمييّن” و ” رجعييّن ” .. وقد جاء ذلك التراجع نتيجة تصاعد أيديولوجيات أكثر شمولاً وإتساعاً ، راهنت على أن ترث الأرض وما عليها ، مثل نمو التيارات الإسلامية بمختلف مدارسها ، ومنها المعتدل ومنها المنغلق على فكر محدد مثل الجماعات الشيعية والجماعات الجهادية ، وكانت هناك مدرسة سياسية إسلامية جديدة تمثلت في الدعوة لإحياء الخلافة ، وهذه تبنتها بعض الأحزاب مثل حزب التحرير الإسلامي وله فروعه ونشاطه بالسودان ، ولكن الرعاية الحقيقية للفكرة جاءت من بعض الدول التي رأت فيها عودة لعهود الخلافة الحقيقية التي إنتهت بزعمهم عند زوال الدولة العثمانية عام 1923 م من القرن الماضي .
حتى هذه الأحلام السياسية المشروعة تراجعت هي نفسها أمام تنامي التيّارات المناديّة بالدّولة الوطنيّة ، القائمة على المواطنة بصرف النظر عن الدّين والمعتقد واللون والجنس والعرق ، وهذه نفسها قد لا تسلم من المواجهات الشرسة المحتملة في بعض البلدان ، والمؤكدة في بلدان أخرى ، خاصةً من قبل الأقليات التي تعيش إنفصالاً نفسيّاً وثقافياً حقيقياً مع بقية مكونات الدولة ، و تعالوا ننظر الآن إلى العالم العربي وإلى الدول من حولنا ، فإننا سنجد تعالي صوت الأقليات ، وسعي بعض القوميات إلى التمييز ، وفرض ما ترى أنه هو الأصح حتى في إختيارات الحكومات لموظفي الخدمة العامة .