ما بين محمدية وكابلي.. ذكريات دوزنة ايقاع
جلس الموسيقي الراحل محمد عبد الله محمدية، أحد أبرز عازفي الكمان في السودان في المقعد الخلفي. وبدأ الكابلي يُجرب ألحان مختلفة لأغنية “حبيبة عمري”، ولما وصل إلى اللحن الحالي للأغنية ربت على كتفه محمدية، صارخاً “أضبط”! بمعنى أن هذا هو اللحن المناسب لها. والكابلي متعاونٌ مع زملائه الفنانين لا يبخل عليهم بأشعاره وألحانه، ولما كان ذواقاً للجمال، نظم أغنية في جبل مرة ولحنها، وأهداها إلى الفنان أبو عركي البخيت، وهي أغنية “مرسال الشوق”:
مرسال الشوق يالكلك ذوق
أغشى الحِبان في كل مكان
قليهم شوفنا جبل مرة
وعشنا لحظات حب ومسرة
أخلص إلى أن الكابلي فنان المثقفين، باختياره لأشعارٍ مقفاةٍ، ذات جرسٍ وموسيقى، من عيون الشعر العربي والسوداني، وجميل الشعر الشعبي السوداني. ويكفيه فخراً، أن كوكب الشرق أم كلثوم عندما سمعته يُغني “أراك عصي الدمع” للشاعر العربي أبي فِراس الحمداني، طربت له، وعلقت على غنائه، بأنه أجاد أداء الأغنية، بنطقٍ واضحٍ وسليمٍ لحروفها! إذ أن كثيراً من المصريين يعيبون على مغنيينا أنهم لا يُظهرون الحروف نطقاً جلياً.
وللراحل عبد الكريم الكابلي الكثير من الأغنيات التي تربعت علي عرش الأغنيات في السودان منها: حبيبة عمري وأنشودة آسيا وأفريقيا ويا ضنين الوعد وأراك عصي الدمع وأكاد لا اصدق وزمان الناس وحبك للناس وشمعة وسلمى ولماذا؟ ومعزوفة لدرويش متجول (رائعة محمد مفتاح الفيتوري) والمولد لمحمد المهدي المجذوب.
وكأني بالأخ الصديق الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم قد عناه بقوله:
يا منايا حوّمي حول الحمى واستعرضينا واصطفي
كل سمح النفس بسام العشيات الوفي
الحليم العف كالأنسام روحا وسجايا
أريحي الوجه والكف إفتراراً وعطايا
فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي
بضمير ككتاب الله طاهر
انشبي الاظفار في أكتافه واختطفي
وأمان الله منا يا منايا
كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر .. شرّفي
تجدينا مثلا في الناس سائر
نقهر الموت حياة ومصائر
ألا رحم الله تعالى الأخ الفنان عبد الكريم عبد العزيز محمد الكابلي، رحمةً واسعةً، ومغفرةً من لدن مليكٍ مقتدرٍ، وتقبله الله قبولاً طيباً حسناً، وأنزل عليه شآبيب رحماته الواسعات، وألهم آله وذويه وأهليه، وأصدقاءه وعارفي فنه وفضله، الصبر الجميل.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحُسَيْن المعروف بالمتنبي:
وما الموْتُ إلاّ سارِقٌ دَقّ شَخْصُهُ
يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسعى بلا رِجْلِ
ولنستذكر فوق هذا وذاك، في هذا الموقف الصعيب الأليم، قول الله تعالى:
“وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ