غرائب السياسة السودانية : أحزاب ضد الإنتخابات بقلم د.ابراهيم الصديق على* (1)
بينما تناقش القوى الدولية مستقبل الديمقراطية في العالم، بإعتبارها الوسيلة المثلى لتبادل السلمي للسلطة والتعبير الشفاف عن الضمير الشعبي، فإن غرائب السياسة السودانية تنتج حقيقة مرة، حيث يرفض حزب سياسي إجراء إنتخابات، مهما كانت الظروف، كما فعل الحزب الشيوعي السوداني من خلال إجتماع لجنته المركزية في ١٠ كانون الأول /ديسمبر ٢٠٢١م، لقد وضع الحزب الشيوعي ست شروط منها تفكيك النظام القائم وحل ما أسماه المليشيات ودمج قوات الحركات في القوات المسلحة وإجراء تعداد سكاني وعودة النازحين.. ونشير للاتي :
اولاً: إن عودة النازحين والتعداد السكاني مطالب مهمة ويمكن معالجتها من ضمن إجراءات العملية الإنتخابية، ومن الضروري ان تضع الجهة ذات الإختصاص هذا الأمر في حسبانها..
وثانياً: إن المنظومة الراهنة بأطرافها، هي صنيعة خيارات الحزب الشيوعي السوداني وحلفاءه، وهذه الشراكة القائمة بين طرفين (مكون مدني وآخر عسكري)، وقد أورد محمود لبات المبعوث الأفريقي خلال حوارات أطراف الإنتقال انه طلب توسيع المشاركة السياسية، ولكن هذه الأطراف رفضت الفكرة.. ومع قرارات ٢٥ تشرين الأول أكتوبر 2021 م وتعهد السلطة الجديدة بأن تكون طرفاً محايداً، ومع تركيزها على هذه النقطة، فإن الخيار السياسي الأوفق هو مطالبتها بنزاهة هذه العملية، وما زال المطلوب منها عملياً، أكثر من الأقوال..أما خيار رفض العملية بكلياتها فإنه محاولة لصناعة دكتاتورية حزبية أو سلب سلطة الشعب أو خلق حالة من عدم الإستقرار..
وثالثاً: إن العملية الإنتخابية، معقدة وذات أطراف متعددة ويصعب على طرف واحد التحكم فيها، ولذلك فإن مخاوف سيطرة جهة في ظل رقابة داخلية ودولية ووسائل إعلام صعبة، أن لم نقل مستحيلة..
وعليه فإن هذا الرفض يبدو أنه هروب من الإختبار الشعبي والخشية من رهان الجمهور وصندوق الإقتراع.
(2)
والحقيقة الأكثر وضوحاً ان هذه الشروط محاولة لخلط الأوراق وإستمرار حالة تزييف الوعي، وتوجز في الآتي :
١.ان من غير المبرر خوف الحزب الشيوعي من سيطرة وعودة حزب محلول قانوناً، و مستهدف من أجهزة السلطة بكلياتها وممنوع من الحظوة الإعلامية وحق التعبير، بينما الشيوعي حر في خياراته ونشاطه ومناشطه وتحالفاته ومؤتمراته.. وفوق ذلك فإن التداول السلمي يستند إلى قاعدة التنافس الحر والإختيار الحر، وليس تهيئة البيئة السياسية لقوى تفتقد العمق الجماهيري والقاعدة الشعبية..
٢. إن إجراء الإنتخابات هو هدف وغاية الإنتقال الديمقراطي، ودون ذلك إختطاف للوطن و (عرقلة) للإنتقال.. ولا يمكن لأي قوي إدعاء التفويض الشعبي دون تفويض موثوق ووفق عملية شفافة.. لقد إنتهى زمن الإدعاءات الزائفة..
٣. أن منهج المعارضة هذا عبثي، فوق أنه يجافي جوهر العملية السياسية ومقتضيات المدافعة.. لقد رضي الشيوعي الحكم بوثيقة من طرفين، فكيف يرفض إنتخابات، بإشراف دولي وحضور سياسي داخلي؟ هذا الفعل من الشيوعي، سقوط سياسي، وفوق ذلك محاولة لإستمرار الراهن حيث يتمتع الحزب الشيوعي بالحكم ومعارضته بذات الوقت.. ٤. لقد استمرت هذه القوى في الحكومة ٢٤ شهراً من اصل ٣٨ شهراً من عمر الفترة الإنتقالية، دون إنجاز اي خطوة نحو الإنتخابات، ودون تشكيل مفوضية، أو تشكيل مجلس تشريعي أو طرح قانون جديد، وكل ذلك يشير لعدم جديتها نحو العملية الإنتخابية، وهو أمر ينبغي أن تحاسب عليه َتساءل..
(3)
من الواضح أن أطراف كثيرة في المجتمع الدولي، ساعدت الحزب الشيوعي السوداني وأطراف أخرى تهدف لتميبع العملية السياسية وتمديدها وإشاعة حالة من الضبابية السياسية، فهذا المناخ الأفضل للأحزاب ذات الجماهيرية المحدودة..
لقد شهدنا خلال فترة ماضية، تبني قوي دولية لذات هذه الأجندة، خدمة لاطراف سياسية وربما بتنسيق معها، مع ان ظاهر المجتمع الدولي خلاف ذلك.. ففي الوقت الذي تدفع فيه الأمم المتحدة لإنتخابات في ليبيا رغم كل تعقيدات الوضع هناك، فإن بعثة اليونتاميس في السودان ترخي أذنها لسماع (طنين) الحزب الشيوعي وبعض توابعه..
إن مثل هذه الخطوة تعتبر مثال لعرقلة الإنتقال الديمقراطي كما تبناه المشرع الأمريكي مقترح قانون (معرقلي الإنتقال الديمقراطي)..
على القوي السياسية الوطنية ان تعزز مواقفها من أجل إنتخابات حرة ونزيهة، وإسقاط مشاريع الوهم العبثية هذه، أن الوطن الذي شهد إنتخابات في بواكير إستقلالية لن يرهن قراره لطموحات بائسة.. فغياب الإنتخابات يعني تغييب الإرادة الوطنية والرأي الشعبي..
د. إبراهيم الصديق على