(بحصافة) .. إمام محمد إمام .. أم الفقراء.. في رحاب ربٍّ رحيمٍ
i.imam@outlook.com
غيب الموت الحاجة أم الفقراء فاطمة خالد أحمد البشير زوجة الرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير، وذلكم في يوم الأحد الخامس من يونيو (حُزيران) 2022، في حوش بانقا، المدينة التي شهدت يوم مولدها، بالقرب من شندي، إحدى حواضر ولاية نهر النيل، بعد معاناة من المرض، فالمرض اعتبره جمهور الفقهاء هو القضاء المؤجل الذي قد يُفضي إلى القضاء المبرم الذي هو الموت. فالموتُ الذي هو علينا جميعاً -ذكراناً وإناثاً – حقٌ معلومٌ، للغني والمحروم، وقد نبأنا الله تعالى، بأنه مسطورٌ في لوحٍ محفوظٍ، ومحددٌ في أجلٍ مكتوبٍ، ولكل أجلٍ كتاب مبين، وكل نفسٍ لا محالة ذائقة الموت، تصديقاً لقول الله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”،
وتأكيداً لما صدع به الشاعر العربي كعب بن زُهير بن أبي سُلمى من حكمةٍ في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال:
كل ابن أُنثى وإن طالت سلامتُهُ
يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
وكانت الراحلة الحاجة فاطمة خالد -يرحمها الله- قليلة الإطلال على الصحافة والإعلام، كثيرة عمل الخير للأنام. وشهد لها بذلك شاهدُ عمل في حِراسة بعلها الرئيس السابق عمر البشير لأكثر من أحد عشر عاماً، لم يراها لِماماً أو عياناً إلا مرةً واحدةً، إذ لم تظهر إلا في ميادين أعمال الخير، ولا تنشط إلا في المنظومات الخيرية والاتحادات والجمعيات النسوية، وترعى رعايةً مباشرةً لعددٍ كبيرٍ من المنظمات الخيرية، منها منظمة أم الفقراء التي اكتسبت كُنيتها منها، وتهم من خلالها بأمر السائل والمحروم، وإطعام ذوي المسغبة، إضافةً إلى رعاية منظمة بنت البلد، ومنظمة فك رقبة، وغيرها من المنظومات الخيرية والنسوية، فهي لا تعطي هذه المنظومات فضل وقتها، ولكنها تُعطيها جُلَّ وقتها، مع ذلكم تُوازِن ما بين احتياجات بيتها وبعلها وأهليها، ومجاهداتها من أجل تلبية ضرورات معاشر الفقراء، وزمرة المساكين، زد على ذلكم، رئاستها الفخرية لاتحاد المرأة السودانية، التي كانت بمثابة الأم الرؤوم، والأخت الحنون، لهن جميعاً، لا تكتفي برسميات لقاءاتهن، بل تدعوهن إلى زيارتها، وتُلبي دعواتهن فرحاً ومؤانسةً، وتسارع إليهن معزيةً في أتراحهن، وتعودهن إن مرضن أو مارضن، تنزيلاً لقول رسولنا الكريم، في حديثٍ نبويٍ عن أبي هُريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “حقُّ المُسلم على المُسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدَّعوة، وتَشميتُ العاطس”.
ولم تتوانَ الراحلة الحاجة فاطمة خالد -يرحمها الله- في تقديم جُهدها واجتهادها في قيادة حملة كثيفة في أفريقيا لمحاربة ذبابة “التسي تسي”، وأمراضٍ أُخرى، كمرض المثقبيات، عقب ترشيحها من اجتماع الاتحاد الأفريقي لقيادة حملة القضاء على ذاكم المرض.
وفي رأيي الخاص، أن عزوفها عن الأضواء، ونأيها عن الضوضاء، ليس تكلفاً أو تعالٍ، بل جبُلت على ذلكم منذ أن كانت في بيت أبيها في حوش بانقا، مما يجعل مهمة من يكتب عنها رثاءً، صعبة للغاية لشُحٍ في المعلومات، وعُسرٍ في سبر غور شخصية المرثية! فلم يكن مستغرباً بُعدها عن الأضواء خلال فترة حكم زوجها عمر البشير لثلاثة عقودٍ من الزمان، ليس عزوفاً عن الناس، وتعالٍ عليهم، بل عادة جُبُلت عليها. وحجاجي في ذاكم، أنها لم تكن ترافق زوجها في المناسبات العامة، ورحلاته الخارجية، إلا نادراً، ولم يكن لها أي نشاطٍ معلنٍ للعامة، إذ كانت تظهر على فترات متباعدة، ومع ذلكم، قبلت بعد إلحاحٍ من أخوات نُسيبة، تسنم الرئاسة الفخرية لاتحاد المرأة السودانية.
وأحسبُ أن الرثاء من أهم مصادر السير والتراجم، وأكد تلكم الحقيقة، القاضي أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خُلكان صاحب “وفَيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”، حيثُ أشار إلى أن الرثاء ذكر جماعة من الأفاضل الذين شاهدهم ونقل عنهم، أو كانوا في زمنه ولم يرهم، ليطلع على حالهم من يأتي بعده. فمن هنا يتضح جلياً أهمية المرثيات في السير والتراجم.
أخلص إلى أن الراحلة الحاجة فاطمة خالد -تنزلت عليها شآبيب رحمات الله الواسعات- لم تُعرف أخبارها، ولم تُقدم إلى محاكمة، بعد زوال دولة الإنقاذ. فقد عاشت من أجل الفقراء، وبكاها يوم رحيلها الفقراء وغير الفقراء.
من هنا، أُزجي خالص التعازي، وصادق المواساة، إلى الأخ الرئيس السابق عمر البشير في وفاة زوجه وابنة عمه الحاجة فاطمة خالد، سائلاً الله تعالى له الصبر الجميل. وكأني به في حُزنه هذا، يُردد قول الشاعر العربي جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي،وهو يرثي زوجته:
صـلى الـملائكة الذين تُخُيروا
والـصالحون عـليكِ والأبرارُ
وعـليك من صلوات ربكِ كلما
نـصِب الحجيج ملبدين وغاروا
ألا رحم الله الحاجة فاطمة خالد أحمد البشير -أم الفقراء- وأنزل عليها شآبيب رحماته الواسعات، وتغمدها بجميل المغفرات، وتقبلها قبولاً طيباً حسناً، وألهم زوجها الرئيس السابق عمر البشير، وآلها وذويها وأهليها جميعاً، وصديقاتها وعارفي فضلها وإحسانها، الصبر الجميل.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى:
“وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين”.