مصطفى ابوالعزائم يكتب في ( بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. التحرير الكامل هو الحل ..(!)
قصة البترول في السودان ، تستحق أن نقف عندها كثيراً ، ليس على مستوى مؤسسات الدولة المختصة وحدها ، بل على مستوى المعاهد ومراكز الدراسات والبحوث الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، لأثر وتأثير النفط في مجمل مناحي الحياة ، خاصةً إذا علمنا إن إحتياطي بلادنا من النفط يُقدّر بحوالي ستة بلايين برميل ، وإن هناك الآن خمسة وعشرين مربعاً جاهزة للإستثمار من قبل الشركات المختصة في الاستكشاف والتنقيب والإنتاج .
إنتاج النفط والغاز يرتبط دائماً بسياسات الدولة الإقتصادية ، وإذا كانت الدولة تتبنى سياسة التحرير الكامل مثل السّودان الآن ، فإنها يجب أن تتبع هذه السياسة كاملة ، وأن تعمل على تخفيف القيود الحكومية من خلال تشريعات خاصة ، بل وتعمل على زيادة عدد الكيانات الخاصة المشاركة في هذه الأنشطة المرتبطة بحياة المواطن ورفاهيته ، وذلك حتى تتم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالصورة المطلوبة .
أسباب كثيرة منها الحرب الإقتصادية على السّودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول الغرب ، أدت إلى تعطل العمل في إنتاج النفط ، رغم أن حكومة الإنقاذ ومنذ بدايتها ، أبرمت خمس إتفاقيات في الفترة بين عامي 1989 م و 1990 م مع شركات أمريكية وصينية وهندية وغيرها ، لكن كان هناك دائماً من يريد لهذا العمل ألّا يتقدّم ، وهو ما نتج عنه هذا الضيق الإقتصادي العام الذي وصلت إليه بلادنا الآن .
إتجهت البلاد في فترة ما إلى أن تحتكر الدولة إستيراد وتوزيع النفط من خلال المؤسسات الحكومية المختصة ، وحتى بعد تبني سياسة التحرير الإقتصادي لم تتخل الدولة عن ذلك الدور ، على أساس أن العمل في هذا المجال لن يكون جاذباً للقطاع الخاص ، لأنه غير مربح ، إذ أن الدولة كانت تدعم النفط بنسبة عالية ، ظهر لنا الفرق الآن بعد أن رفعت حكومات الثورة الدعم عن هذه السلعة الإستراتيجية المهمة .
الآن تسربت معلومات خطيرة حول صراعات أشد خطورة من قبل بعض الجهات ، بل من قبل جهتين تحديداً مع وزير الطاقة والنفط ، وهي الجهات المستوردة للمشتقات النفطية ، والسبب هو إن هذه الجهات الخاصة والحكومية تضررت كثيراً من قرار فك احتكار إستيراد النفط ومشتقاته ، وفتح الباب أمام شركات القطاع الخاص ، والقادرين من رجال المال والأعمال ، لإستيراد وتوفير المشتقات البترولية ، وهو ما دفعها للتحرك لإيقاف القرار والعمل ضده ، وضد سياسة الدولة الرامية للتحرير الإقتصادي ، ليكون الأمر بين يدي تلك المجموعتين ، وهو ما يمكن أن تقاتل من أجله حتى لا تفقد مكاسبها القائمة على الإحتكار ، المناقض لمبدأ التحرير ، وذلك بالتحكم في أسعار الوقود ، والعمل على رفع الأسعار بين حين وآخر .
الآن بلغ الأمر حدّاً غير محتمل ، وارتفع سعر المشتقات البترولية إلى ما هو فوق طاقة المواطن المسكين ، وهو ما ينعكس فوراً وبلا تأخير على أسعار كل السلع والمنتجات والخدمات ، والذي سيؤدي في نهاية الأمر إلى زعزعة الأمن ، ويقود إلى عدم الإستقرار في كل مناحي الحياة ، ويهدد وجود الدولة ذاتها ، طالما كانت نظرة المحتكرين قصيرة ، لا تتعدى مواطئ أقدامهم الباحثة عن الربح السريع ، دون مراعاة لوطن أو مواطن .
لابد من تدخل قيادة الدولة في أعلى المستويات لحسم هذا الأمر ، والذي يشك كثيرون في أن هناك جهات نافذة تعمل على حمايته ، لكن مصلحة الوطن والمواطن فوق مصالح التجار والمحتكرين والمتاجرين بأهلهم ، والذين لا تهمهم تلك الصفوف المتراصة أمام محطات الوقود ، ولا يهمهم سوى أن تمتلئ جيوبهم بالمال الحرام .
Email : sagraljidyan@gmail.com