مهد الحروف د.هيثم حسن عبد السلام خبير شؤون المستهلك
mismawia@yahoo.com
رمضان .. نهم شرائي
تشرق الشمس معلنة بداية أيام شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، تبدو الحياة فيه زاهية بكل ألوانها الملائكية ، تصمت الألسن إلا من الذكر ، تصفد الشياطين ، ترتاح الأنفس ، تفتح الدنيا إلى السماء أبواب الدعاء ، وتنادي السماء ، تشتاق الجنان ، ويبقي الانسان في هذا الشهر الكريم أقرب إلى الله تعبداً وطهراً ونقاءا.
وفي الشهر الفضيل ، تبدأ ملامح السوق في التغير، لمقابلة الهجمة الشرسة من قبل المستهلكين على الشراء ، وتجد الناس في هلع منذ إعلان ثبوت شهر رمضان، وهذه ظاهرة تحتاج لوقفة والتفاتة قوية ، يجب أن تتضافر فيها كل الجهود لتوعية المستهلك بضرورة عدم المبالغة في الشراء في ظل توفر الاحتياجات الأساسية وفي متناول يديه يومياً . برغم الغلاء الفاحش في الاسعار التي يجب علي الدولة التدخل فيها خصوصا في السلع الغذائية.
هي مشاهد تتكرر عند بداية شهر رمضان من كل عام ، إزدحامات واختناقات مرورية ، تزاحم على الأسواق وأماكن البيع المختلفة ، وكأنّ الزمان سيتوقف غدا، إذن لماذا ظاهرة النهم الشرائي للمستهلك ؟ وكيف علاجها؟.
في تقديري أن الرغبة البشرية تلعب دوراً كبيراً في هذه الظاهرة ، وعلى المستهلك أن يكبح رغباته الشرائية وأن يتعامل مع بداية شهر رمضان بمفهوم جديد والمسارعة إلى مغفرة الله ، وأن تكون مائدة رمضان ليست غاية في حد ذاتها لتتشكل بكل مالذ وطاب .
وهناك عامل مساعد في تنامي ظاهرة النهم الشرائي للمستهلك في رمضان وهي التفنن الكبير للمعلنين ووسائل الإعلام في تقديم السلع والمنتجات الغذائية (الترويج)، وكأني بالقنوات والمحطات الفضائية والإذاعات المختلفة – قبل وأثناء شهر رمضان المعظم- تتحول إلى سوق كبير يرسل سهامه نحو المستهلك الذي يبدأ في التحول (لمصاص شرائي) كبير وهنا يصبح الشراء إدماناً . وعلى المستهلك هنا أن يكون حصيفاً وواعياً ، وألا ينساق وراء كل ملون دون التأكد من ملاءمة المنتجات المعلن عنها لمتطلباته وإحتياجاته .
فالعلة تكمن في تجذر نزعة الاستهلاك لدى الإنسان ، خصوصا لدى المرأة التي تعتبر محرك الاقتصاد المنزلي، فهي المسؤولة عن الاحتياجات وتصريف الأمور داخل المنزل وكل السلع التي يستخدمها أفراد الأسرة، ولا عجب أن النساء يتحكمن في 80 % من حجم حركة التسوق في رمضان، وعلى مؤسسات حماية وتوعية المستهلك أن تسعى لتوعية المرأة بأفضل الطرق الصحيحة للشراء وأن تكون أيام شهر رمضان هي الأقل صرفاً من الأيام العادية.
وعامل آخر هو التجار الذين يعتقدون أن موسم رمضان هو للتربح السريع، لذلك يبدعون في تقديم كل الأصناف بدون مراعاة للعديد من المواصفات والاشتراطات للعرض والتخزين والتداول .
يبقي شهر رمضان موسم للعبادة والطاعات ، فعلينا كمستهلكين أن نجعله أيضاً موسماً لمحاربة كل الممارسات السالبة والخاطئة التي تضر بصحتنا وتهدم قيمنا وتهلك مواردنا .. ورمضان كريم.