(رؤى متجددة ) .. أبشر رفاي .. رحيل السر قدور ويوم الموسيقي العربي ورمضانيات اغاني واغاني
تزامنت ثلاث مناسبات هذا العام مع رحيل الرجل القامة الرمز الوطني الفني الكبير السر قدور رحمه الله رحمة واسعة ، المناسبة الاولى بلوغ تعقيدات القضية الوطنية مضيق الازمة السياسية بلوغها بصورة مفتعلة لشئ في نفس المفتعل ، وهي ذات النقطة التي تحدث عنها الراحل المقيم بمسئولية وطنية في مقابلة تلفزيونية اجريت معه في حدود سنة تقريبا تحدث باسهاب عن حقائق مهنية وسياسية مقدما نصائح خبير راسما من خلال تلك المقابلة التاريخية ، خارطة طريق واضحة المعالم والمفاتح لمن اراد ان يرسو بالوطن والمواطن ومكتسباته شاطئ الامان . اما المناسبة الثانية وهي اليوم العربي للموسيقي والذي يصادف الثامن والعشرين من مارس من كل عام . وفي السياق تعتبر الموسيقي شعبة من شعب علم الصوتيات الذي يستمد طاقته التشغيلية الاساسية من سر الحروف ، والحروف هي سر الاسماء ، والاسماء سر الله الذي علمه لملائكته الكرام ، فالانسان للمتدبرين في حزم الايات البصرية المحكمات مخلوق مموسق في اطار المنظومة الكونية المؤدية للحن الحياة ، كيف لا وقد خلق وخلقت فيه مقومات وبنيات تحتية مموسقة كالموهبة والفكر والابداع الفكري في مجالات التأليف والتوليف والسياقات والصياغات وشبكة الاحاسيس والمشاعر وادوات الحناجر والحبال الصوتية وريش الالسن والدندنات والتنغيم بنيات مموسقة تعمل على رسم وترسيم الوجدانيات وتشكيل الضمائر وصياغة الوجدانيات في رحاب امجاد الحب والالفة واتاحات التسامح والتماهي الوجداني الانساني الذي يقضي بدوره على كافة اشكال التمييز العنصرى وتمفصله وعلى العصبيات وشعبها الفرعية كالجهوية والعرقية والاثنية والتمتحف الاجتماعي تمتحف من الدرجتين الاولى ( باثم) الاصالة والثاني بالمعاصرة .اما المناسبة الثالثة وهي مناسبة حلول شهر رمضان المعظم شهر الخير والبركة ، وهي الايام التي ظل يقدم فيها ولسنوات طويلة الراحل يقدم بفضائية النيل الازرق مع كوكبة من المبدعين والمبدعات والمختصين بالقناة ، يقدمون برنامجا ترويحيا ثقافيا شهير ، برنامج اغاني واغاني … فتجدر الاشارة هنا بأنه دون المساس بأراء ومواقف الاخرين بمختلف منطلقاتهم ومواقفهم حول البرنامج ، الا انه من المؤكد بان للبرنامج جمهور وحضور مميز . صحيح لست واحد منهم ولاسباب ليس من بينها العصبيات والطبقيات وبرامج التلقين والامالى الثقافية ، لكن حقيقة احترام خيارات الاخرين تعتبر جزء لايتجزأ من مسلكيات التحضر والعمل الحضاري والانساني . اما بالنسبة لمحتوى البرنامج الذي مثل فيه الراحل المقيم السر قدور علامة التمميز الرقمي والتميز الكامل قد اعتمد على موهبة وخبرة وتجربة الراحل المقيم تجربته الغنية واسلوبه الجيد والمجود في فن التقديم ومحفزاته وكذلك دور الاخرين في الاخراج الفني والتقني والغنائى . ان تركيز البرنامج على افذاذ الحقيبة ودرر اغانيها قد شكل رابطا اساسيا بين الماضي والحاضر وكذلك المستقبل ، مدخله السليم والسلس الى ذلك فلسفة فرص الاستثمار في ابداعات ونجاحات الماضي .. نعم ان سر اسرار خلود اغاني الحقيبة خلودها في ذاكرة ووجدان الشعب السودان والشعوب الصديقة والشقيقة الاخرى التي تعاطت وتتعاطى مع لونيات الاغاني السودانية الجميلة ، وهي ان اغاني الحقيبة نجدها قد غطت كافة خطوط العرض والطول وجدانيا وكذلك الفاصل المدارى الخاص بطقس الدفئ الوجداني ، الغني بفكر الغنا ، وفن الغنا ، وبالغنا . فكر الغنا بمعنى اغنيات قائمة على فكرة وعلى مشروع وجدانى واقعي ولو جاء محفوفا بتحديات موانع وترس المحميات العاطفية والوجدانية تقليدية التي تتعامل مع مصادر الالهام وتجارب الاعمال تتعامل على اساس سلعتي او عبر استغلال معاني ومضامين بعض الايات المتشابهات ، وكذلك قامت اغاني الحقيبة وتلك التي تقوحبت لا حقا قامت على فلسفة فن الغنا وهي فلسفة قائمة على امتلاك المؤلف والمؤدي واصحاب الحقوق المجاورة امتلاكهم قدر كبير من مدخلات فن التطريب بمعنى تطريب صامت واخر ناطق عبر رميات ووصلات جسدية جادة واخرى مثيرة للجدل . ثالثا من اسرار استدامة اغاني الحقيبة التزامها باسلوب الغنا وهو اسلوب شعبي يتوائم والمراج الاجتماعي الانساني العام وفي هذا السياق وفي مجال الغنا بالذات هناك من ينظر وبصورة مطلقة وجود اغاني هابطة وهذا بالضرورة وجود هابطين ولتجنب هذا الاشكال المحرج يمكن تسمية هذا النوع من الاغاني تسميته بالغناء الاستهلاكي او التجاري او اغاني الشريحة المؤقتة ، لان في النهاية لتلك الاغنيات انصار ومعجبين لايستهان بهم ، مثال حينما تشاهد وتسمع سائق ركشة مشغل اغنية حفلة شعبية بصوت عالي وهو على الطريق ينظر يمنه ويساره اعجابا واستقطابا على الرغم من تعارض ذلك مع حقوق الاخرين الا أن قراءتها مع حقوق الحرية الشخصية لصاحب الركشة فهو مرتاح وفي قمة الطرب . نعم ان برنامج اغاني واغاني والذي غطى دورات رمضانية طويلة له معجبين وكذلك منتقدين ورافضين كذلك . ولكن بالمقابل لا شك ان البرنامج قد لعب دورا اساسيا في استقطاب وتركيز رسالة المبدعين الكبار والشباب النجوم من شباب جيل التأسيس والاجيال اللاحقة به ، نعم لقد رحل الدكتور الشاعر الفريق السر قدور تاركا للبرنامج كمية من اسرار وخفايا استقرار واستمرار البرنامج ، فاذا اخذ بها وتقفي اثرها خلفه الاستاذ الشاب مصعب الصاوي لعبر ونتصر .. وقديما قال الاجداد عن الاثر التعاقبي في الفلاح والفلاحة والنجاضة قالوا الخلفة مابتلحق القندول وفي اخرى قالوا ( العود برمي جمرايتو ) فهل مصعب الصاوي واسرة البرنامج يرمون جمر عود السر قدور جمره الوقاد ، الايام وحدها هي التي ستجيب على هذا السؤال ويصححه جمهور المعجبين . خاتمة هذه القراءة الثقافية التاريخية التي تدفع بها الرؤى بمناسبة رحيل اكبر شاهد عصر على تجارب الشعر الوجداني والوطني في السودان السر قدور نختم بالقول ومن واقع ومنظور حفريات فكرية اجتماعية بالغة العمق بانه ثمة فجوة خطيرة واختلال تاريخي تام في ميزان المدفعوعات الاجتماعية والوجدانية والعاطفية ومناشط كفاح القلوب فرق شاسع بين مايعبر عنه الشعراء والشاعرات انسانيا واجتماعيا وحضاريا بلا حواجز وهواجز وبين الواقع والوقائع الاجتماعية التاريخية والمعاشة ، وبهذا الخصوص كثير من الوجدانيين والوجدانيات من الذين مضوا مع بوصلة الاعمال الشعرية الوجدانية الرفيعة مصدقين رؤيتها وروايتها قد ضلوا الطريق وشربوا من المقالب حنظلها لا لشئ الا لانهم لم يلحظوا الفرق بين الاعمال الشعرية الانسانية المنفتحة والواقع الاجتماعي المنغلق على نفسه متحفظا على كل شئ بما في ذلك الخلقة الربانية نفسها ولكنه يفعل ذلك بذكاء لايخلو من علو ومكرا كبارا يفعل ذلك تحت غطاء المحافظة باسم القيم وكذلك المقامات .وفي مجال الشعر الوطني او الاغاني الوطنية (المكورل) منها وغير (المكورل) ( كورالي ) توجد نفس الاشكالية فكثير من الاغاني الوطنية الجميلة تجدها مبطنه بالعنصرية والعرقية البغيضة وبالعلو وتهميش الهوية وقد تكون مقصودة وربما عفوية ، ولكن المهم في الامر لابد من ابداء النصيحة الحارة والحقيقة الاحر منها تقديمها للذين يتعاطون مع الفعل الثقافي والاعلامي في هذا البلد وهي ضرورة النظر الى تعقيدات ابعادنا الاجتماعية المعلنة وتلك المسكوت عنها وكذلك النظر بعين المسئولية الي حقيقة جدل الماهية والهوى والهوية بالبلاد ، والذي يمثل سر اسرار التراجع وعدم التقدم المقتدر قيد انملة في عديد من المسارات والمجالات قطعا في مقدمتها مجالات التنمية البشرية وفي مجال التنمية البشرية تنمية القبول والمقبوليات اجتماعيا وانسانيا ووطنيا وفي مجال الحكم الشعبية مثل (المابيعرفك يجهلك) (ومابعزك) من هنا تأتي اهمية وحتمية انزال اية التعارف والتعرف على واقعنا الوطني والاجتماعي. وكل عام وانتم بخير ..