(تأملات) ..جمال عنقرة. السيسي صفر العداد .. هيا ننطلق .. ما لناش غير بعض
لا يجوز لي أن أدعي بأن قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفع الغرامات عن كل السودانيين المخالفين لشروط الإقامة في مصر، ومنحهم ستة شهور تبدأ من الثالث من مارس الماضي، يوفقون خلالها أوضاعهم، أو يعودون إلى السودان معززين مكرمين، فلا يجوز لي الادعاء بأن هذا القرار التاريخي العظيم جاء استجابة لندائي الذي وجهته في أكثر من مقال سابق لفخامة الرئيس السيسي لاتخاذه عربون محبة، وتأكيد جدية، وتمهيد طريق لوحدة وادي النيل التي لم نعد نقبل سقفا دونها، وجاءت مناشدتي المحددة بهذا الطلب والذي اسميته تصفير العداد في مقال بعنوان “مصر والسودان.. ورمضان كمان” ونص ما جاء في المقال بهذا الخصوص “هناك قضية أخري تقلق السودانيين في مصر، وهي تجاوز مدة الستة شهور، وكثيرون من هؤلاء يتخلفون بسبب العلاج أو المرافقة، أو الدراسة، وقد يطيب لبعضهم المقام، وكثيرون يبقون لفترات أطول بعد انقضاء مهامهم في مصر بسبب الغرامات التي يجب عليهم سدادها قبل المغادرة، وإلى أن يتم معالجة ذلك بصورة جذرية بين السلطات في البلدين، اقترح أن يقدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باقة محبة للسودانيين، ورسالة مودة لهم، هو وهم أهل لها، بأن يوجه بتصفير عداد كل السودانيين الموجودين الآن في مصر، ويعتبرونهم قد أتوا مصر اليوم، ويمنح كل واحد منهم ستة شهور إقامة، خلال هذه الفترة يعود من يريد العودة إلى السودان بدون غرامة، ومن أراد أن يبقي في مصر يوفق أوضاعه عبر إجراءات نتمتي أن تيسر لمواطني البلدين في السودان ومصر، إلى أن يتحقق حلمنا الكبير بوحدة وادي النيل كله، من نمولي إلى الإسكندرية بإذن الله تعالي.”
صحيح أن القرار الذي أصدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينطبق مع ما ذكرت، وناشدت سيادته به شكلا وموضوعا، ولكن كتابتي ومناشدتي، ما كان يمكن أن تصل للرئيس السيسي لو لم تجد من يحملها، ويقدمها، ويتبناها، ويزيد عليها، وكان سفيرنا العظيم في مصر السفير محمد اليأس أول من رفع لواء هذه الدعوة، وحمل لواءها في الصحافة الفخيم الجميل الأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام العريقة العملاقة، وحملها في اضابير إتخاذ القرار المحبان للسودان والسودانيين بصدق، ووفاء، الصديقان العزيزان اللواء معتز مصطفي كامل وكيل المخابرات المصرية، والمستشار أحمد عدلي القنصل العام لجمهورية مصر العربية في السودان، ولقد استثمر السفير محمد الياس استهلالية الرئيس السيسي لقمة الأخوة والعزة والكرامة خير استهلال، وكان الرئيس السيسي قد افتتح القمة بقوله “نحن وانتم ما لناش غير بعض”، فقذف السفير بموضوع السودانيين المتخلفين في مصر، وكانما الرئيس السيسي كان ينظره، وهو حتما كان مهيأ له، فاتخذ هذا القرار الذي أسعد السودانيين في كل مكان، لا سيما الذين يقيمون في مصر، والذين غلت أيديهم، وقيدت ارجلهم بسبب تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها، أما أكثرهم سعادة، فهو كبير وعظيم الجالية السودانية في مصر الدكتور حسين محمد عثمان حماد رئيس مجلس الجالية السودانية في مصر، فلقد كان هذا الأمر يقلقه كثيرا، ويعاني منه أكثر، وكان دكتور حسين أول من اتصل بي مهنئيا بصدور هذا القرار باعتباري كنت من المهمومين معهم بهذا الشأن العظيم.
صحيح أن هذا القرار مطلوب لذاته في المقام الأول، ولكنه مطلوب أكثر لمعناه ومغزاه، فهو رسالة قوية وعميقة تؤكد مدي إحساس القيادات العليا في البلدين بحتمية هذه العلاقة ذات الإتجاه الواحد، وهو يؤكد عزم مصر كلها لوضع كلتا يديها في يدي شقيق الجنوب الذي لا شقيق مثله، ولن اجافي الحقيقة لو قلت لا شقيق غيره، وصدق الرئيس السيسي حينما قال “ما لناش غير بعض” فنحن فعلا ليس لنا غير مصر، ومصر ليس لها غيرنا، والرمية السودانية المشهورة تقول “الزول الصديق بي إسمه ماهو صديقك … صديقك الشاركك في ضيقك.. في كل الصعاب تلقاهو ديمة رفيقك… والناس تتوهم تقول ده أخوك شقيقك” فمصر هي صديقنا وشقيقنا ورفيقنا وشريكنا في الضيق قبل الفرج، ومن هنا ينبغي أن نؤسس لعلاقة مستقبلية متينة مستدامة، متصاعدة، لصالح البلدين والشعبين الشقيقين بإذن الله تعالي.