(تأملات) … جمال عنقرة .. يوسف سيد أحمد.. عام علي الرحيل
لم أكن أعلم أن عاما كاملا قد مضي علي رحيل أخي وابن أخي، الحبيب ابن الحبيب، يوسف ود سكينة، يوسف مروة، يوسف سيد أحمد خليفة له الرحمة والمغفرة إلى أن اطلعت علي المقالين الحزينين اللذين سطرهما يراعا الوفيين أشرف إبراهيم رئيس تحرير صحيفة الوطن الغراء، وزميلته سهام منصور، ولعل احساسي بأن يوسف دائما معنا لم يجعلني أشعر بالوقت وهو يمضي وهو في رحاب الرحمن الرحيم، والفضل يعود في ذلك من بعد الله تعالي، إلى أبنائه المخلصين، وأمهم الصابرة المحتسبة، فلم يكتفوا بالاصرار إجماعا علي أن أجلس حيث كان يجلس والدهم الراحل المقيم في قيادة دفة “الوطن” لكنهم زادوا علي ذلك بأن اكرموني وجعلوني حاضرا في كل شأن لهم، كبيرا كان، أو صغيرا، ولعلهم قد اقتدوا في ذلك بسيرة والدهم العطرة له الرحمة والمغفرة.
رغم صلتي العميقة والطويلة مع أستاذنا الكبير الراحل المقيم سيد أحمد خليفة، والتي تجاوزت الأربعة عقود، وهي صلات متشعبة، ومتجذرة في العام والخاص معا، إلا أن صلتي بالمرحوم يوسف لم تكن عميقة في حياة والده، فعندما كنا نأتي إلى منزلهم العامر عندما كانوا طلابا، لم يكن يشاركنا المجلس كثيرا مثل شقيقه عادل، رغم أنه كان الأكبر، ولكن عادل كان يأتي من المدرسة الثانوية العامة ويجلس معنا بملابس المدرسة “الشورت والقميص” ويقوم علي خدمتنا ويشاركنا الحديث والطعام، وكنا عندما نختلف في مسألة سياسية أو فكرية مع والده، كان عادل يقف إلى جانبي ناصرا ونصيرا، ولعل ذلك كان يحدث بسبب الإنتماء إلى الحركة الإسلامية الذي كان يجمعنا، وكان وقتها شقيقهم الثالث أمير لا يزال صغيرا، وبعد تخرجوا في الجامعات دخل يوسف عالم التجارة، واظنه بدأ ذلك قبل التخرج، أما عادل فجاء إلينا في عالم الصحافة، وكان مدخله إليها صحيفة “السوداني الدولية” التي اسسناها مع الأستاذ محجوب عروة وبعض الزملاء الآخرين في نهاية العام ١٩٩٢م، وبدايات العام ١٩٩٣م، وكنا قد اصدرنا قبلها صحيفة “الحوار” ثم دخل شقيقهم الثالث أمير أيضا عالم الصحافة، ولعل ذلك ما جعل عادل وأمير أقرب إلي من يوسف يرحمه الله.
عندما توفي الأستاذ سيد أحمد خليفة عام ٢٠١٠م، كان قد اجلسني في مقعده في رئاسة تحرير صحيفة الوطن، واوصاني علي أبنائه في البيت والصحيفة، وعلي كل الأمانات، ولقد وفقنا الله مع الزملاء في الوطن علي الإستمرار في إصدار الصحفية، بدون توقف، حتى يوم الوفاة نفسه، كانوا ينتحبون ويعملون، ولما تجاوزنا أيام الحزن الأولي، وجاءوا إلى صحيفتهم، أكتشفت لأول مرة أن يوسف يمتلك ٩٠% من أسهم الشركة الصحفية والتي كان قد قام بتسجيلها أثناء إقامة والدهم في السعودية، ولما عاد سيد أحمد إلى السودان، عمل له يوسف توكيل لإدارة الشركة والصحيفة وظلت الأسهم في إسمه.
كانت وفاة سيد أحمد يرحمه الله بعد عودتي من مصر بنحو شهرين تقريبا، وكنت افكر في مشروعات كثيرة، لذلك كنت أنوي تسليمهم الأمانة بعد أن داوموا في الصحفية، لكنهم أصروا علي أن أكون معهم، واثروا علي بوصية سيد أحمد، فاتفقنا أن يتولي يوسف رئاسة مجلس الإدارة والمدير العام، ويتولي عادل رئاسة التحرير، وأكون مستشارا لهما معا.
لقد استطاع يوسف يرحمه الله أن يلم بكثير من خبايا مهنة وصناعة الصحافة في زمن قياسي، ثم دخل مجال الكتابة بسرعة البرق، واختار له منهجا ميزه علي الآخرين، وصنع به اسما لامعا في مجال الصحافة، ولقد استفاد يوسف من كل مواهبه الفطرية والاكاديمية والمكتسبة، فيوسف بطبعه إنسان لطيف وودود، يألف، ويؤلف، وهذه مكنته من صناعة سلاسل ممتدة من العلاقات استفاد منها كلها، ووظفها في خدمة الصحفية، ثم أنه استفاد من دراسته للتجارة، وتجربته في السوق في إدارة شأن الصحيفة الاقتصادي، فظل يحقق نجاحات اقتصادية في أسوأ الظروف التحريرية، وكنت كثيرا ما اقول له يرحمه الله، أنني اختلف مع مدرسته الصحفية، لكنني أعترف له أنه إستطاع أن يحقق ما عجز عنه كثيرون، وهذا هو سر بقاء علم الوطن عاليا خفافقا إلى أن لاقي يوسف ربه راضيا مرضيا.
ونحمد الله تعالي أنه بعد عام من الرحيل المر، بانت ملامح أسرة يوسف، وهي تسير من نجاح إلى نجاح، بفضل ما خلفه لهم من تراث وميراث، ومنهج، من بعد فضل الله تعالي، فام أحمد الصابرة المحتسبة، لم تهزها المصيبة الفاجعة، وهي تعلم أنه لا خيار أمامها سوي الصمود ومواصلة مشاوير النجاح، وأول ما نجحت فيها أنها أحسنت استيعاب أبنائها وبناتها، وجعلتهم أكثر تماسكا وحبا، وكل واحد منهم يسير في طريقه بخطي واثقة وثابتة.
إبننا علاء الدين الذي إختار طريق الاسلاف، ركزت اقدامه بحمد الله تعالي، وصار له منهجه، وطريقته، واعانه علي ذلك أن أبناء وبنات الوطن يجسدون ملحمة وفاء لا أحسب أن لها مثيلا، فهم يعتبرون “الوطن” رسالة وأمانة، ويتفانون في خدمتها، بقيادة المهني الصادق المحترف أشرف إبراهيم رئيس التحرير، وكل طاقم التحرير، والطواقم الأخري حراس الوطن، وبناة مجدها، تلفون وهويدا، وآمنة الناجي، والهميم، والفارس الجديد عاطف، لهم منى التحية، ونسأل الله الرحمة والمغفرة للغالي ابن الغالي الراحل المقيم حبيبنا يوسف سيد أحمد خليفة، ولا نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون.