جمال عنقرة يكتب في (تأملات) ..الدعم السريع والحركات.. جيش واحد شعب واحد
قد يبدو الجمع بين قوات الدعم السريع، والحركات المسلحة غير مفهوم في ظاهره العام، وقد يبدو غير مستساغ للبعض، ذلك أن نشأة الإثنين كانت مختلفة، فالحركات المسلحة لا سيما الدارفورية منها تأسست لمناهضة الحكومة في عهد نظام الإنقاذ، ومحاربتها، بينما الدعم السريع تكون في ذات الفترة في أحضان نظام الإنقاذ، لمدافعة الذين يحاربونه، وفي مقدمتهم الحركات المسلحة، ولكن الوضع تغير تماما بعد ثورة ديسمبر، وبعد إتفاق سلام جوبا، فالدعم السريع رغم تخلقه في رحم نظام الإنقاذ، لكنه لعب دورا كبيرا في إسقاط نظام حكمها، لا سيما قائده السيد الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي أضحي الرجل الثاني في الدولة، وبالنسبة للحركات المسلحة التي كانت مناهضة ومقاتلة للنظام السابق، صارت بعد سلام جوبا جزءا اصيلا من الدولة والحكومة، وهي المكون الوحيد الذي لم يتأثر بقرارات الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي التي أصدرها القائد العام للقوات المسلحة سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وازاح بها كل المكونات السياسية والتنظيمية من كل المواقع الحكومية، وابقي فقط علي ممثلي الحركات المسلحة الذين أتت بهم اتفاقية سلام جوبا، وابقي حتى علي الذين يتحفظون علي قرارات ٢٥ أكتوبر، وابقي أيضا علي المعارضين لها من قادة الحركات، فصارت بذلك الحركات والدعم السريع في مركب واحد، هو مركب حكومة ثورة ديسمبر المجيدة.
وما دعاني لكتابة هذا المقال أحاديث واحداث متفرقة، الحدث المهم والخطير، ولعله الأخطر، الفظائع التي شهدتها ولاية غرب دارفور، وحاضرتها الجنينة “دار أندوكة” ومحلية “كرينك” وما تبع ذلك من تحاليل وتصريحات، والحديث الأخير تغريدة للناطق الأسبق باسم القوات المسلحة السودانية العقيد معاش دكتور الصوارمي خالد سعد، ولقد أشاد الصوارمي في تغريدته بقائد قوات الدعم السريع سعادة الفريق أول حميدتي، واتخذ من هذه الإشادة مدخلا ليدعو الرجل للتخلي عن قيادة الدعم السريع، ليتفرغ إلى دور وطني أكبر، ويترك قوات الدعم السريع تندمج مع القوات المسلحة الأخري وتكون جزءا منها، وهذا الحديث قرأته مع تصريح قبل أيام للسيد حميدتي، ذكر فيه أنه يوجد أكثر من عشرين غيره يمكن أن يتولوا قيادة الدعم السريع، وهذا الحديث، وذاك، ينسجمان مع المنطق، ومع ما يقول به كثيرون، ويقطع دابر القيل والقال، فلا يصح وجود جيشين في بلد واحد، لا سيما وأن الجيشين يخضعان لنظام واحد، وقيادة واحدة تقريبا، وما قال به الصوارمي في حق السيد حميدتي، يقول به كثيرون، فالرجل إستطاع في زمن قياسي أن يثبت وجوده، ويفرض شخصيته، وكثيرون يعتقدون أنه قد تجاوز مرحلة قائد قوات الدعم السريع، وتجاوز كذلك كونه مقاتلا، أو قائدا عسكريا، لذلك يجب عليه لباس ثوب يناسب المرحلة، ويكون ملائما لما يتطلع إليه، ثم أن وجود الدعم السريع كقوة منفصلة عن القوات المسلحة يهزم كثيرا من قيم ومعاني الدولة التي يعتبر السيد حميدتي أحد قادتها المتقدمين، ومعلومة الحساسيات التي يخلفها تميز قوات الدعم السريع عن القوات النظامية الأخري، وهذا كله يكمن علاجه في الدمج الكامل لقوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
الأحاديث الأخري التي اوحت لي بهذا المقال، أحاديث لقادة الحركات المسلحة، وتحديدا الدكتور الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية عضو مجلس السيادة، والقائد منى أركو مناوي رئيس حركة وجيش التحرير حاكم إقليم دارفور، والحديثان حول الانفلات الأمني في دارفور، وكلاهما يلقي اللوم علي السلطات لتباطؤها في تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نص عليها سلام جوبا، ولا ادعي معرفة الكثير عن هذه الترتيبات، وتفاصيلها أصلا غير متاحة بالدرجة الكافية، لكن علي الأقل كان الناس ينتظرون عمليات دمج وتسريح لهذه القوات، فليس معقولا أن يصير قادة الحركات مسؤولين في الدولة، ولا يزال مقاتلوهم مشردون، ويحملون السلاح، ولا تزال كثير من قضاياهم معلقة.
صحيح أن الدول الإقليمية والدولية لم تف بالتزاماتها تجاه سلام جوبا، وصحيح أن تكلفة السلام قد تكون أكبر من تكاليف الحرب، ولكن هناك اساسيات لا بد من حسمها، أول هذه الأساسيات دمج وتسريح قوات هذه الحركات، وهذا مطلوب ليس فقط لأنه يكفي البلاد شرور كثيرة، لكنه مطلوب قبل ذلك لأنه الأصل، فلا يجوز أن يكون في البلد الواحد أكثر من جيش، وأكثر من مركز قيادة عسكرية، فالسودان الآن في مرحلة إعادة بناء، والبناء لا بد أن يقوم علي أسس متينة، وأول هذه الأسس وحدة الشعب والجيش، وللأسف الشديد أن تفريق الجيوش يستغل في تفتيت الشعوب، ومعلومة المعارك التي يشارك فيها محسوبون علي قوات نظامية علي أسس قبلية، وهذا يمكن أن يقود إلى تفتيت الوحدة الوطنية، ولذلك نري – ويري كثيرون – أن وحدة القوات كلها تحت مظلة واحدة، أهم من وحدة المكونات السياسية.