جمال عنقرة يكتب في (تأملات) ..لماذا الغضب معالي السفير .. البلد بلدنا ونحن أسيادها
نقل لي أحد الأصدقاء غضب أحد السفراء العرب مما أكتب، وهو يري أولا أن ما أكتب لا يتناسب مع رؤيتهم لحل القضية السودانية، ويعتبر ما أكتب تحريضا ضد مشروعهم في السودان، فقلت لصديقي الذي نقل لي خبر غضب سعادة السفير، أنه ليس من حق السفير أن يغضب، فأنا أتحدث في شأن بلدنا، وكما هو معلوم “البلد بلدنا ونحن أسيادها” ولا أقول ذلك بمنطق أسلافنا الأنصار الذين بذلوا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية من أجل تحرير بلدهم، وطرد المستعمر الباغي الدخيل، ولكنني أقولها بمنطق أي سوداني عادي حقه في هذا البلد لا يدانيه حق لأي إنسان آخر من غير أهل هذا البلد الكريم، ويستوي في هذا الحق كل السودانيين، القحاتة والفلول، العسكريون والمدنيون، الأنصار والختمية، التقدميون والرجعية، أربعة طويلة، وتسعة، الغرابة وأولاد البحر، الهدندوة والبني عامر، بإختصار شديد يستوي فيه كل أهل السودان بلا استثناء.
فلماذا يغضب معالي السفير ونحن لم نتجاوز حدودنا، ولم نتحدث حتى عن تجاوزه لحدود الأعراف الدبلوماسية المعروفة في التعاطي مع قضايا وشؤون بلدنا، ولم أكتب أكثر مما قالت به وزارة الخارجية من تحذير له ولأمثاله من السفراء التي يتعدون الحدود، ويتدخلون في شؤون لا يجوز لهم التدخل فيها، ويفرضون أنفسهم اوصياء علي بلدنا، وقيمين علي شعبنا، فلماذا يغضب سعادة السفير ولم يحدث لي قط أن تحدثت أو كتبت في شأن يخص بلدهم، ولا يخص حكومة بلدهم في شأن سياساتها الداخلية أو الخارجية، وعندما أكتب لا اذكرهم إلا بخير كثير، واحفظ ويحفظ معي سودانيون كثر افضالا كانت بيننا، ورغم انا كنا أصحاب سبق وفضل في العطاء لبلدهم وشعبهم، لكننا لا نذكر ذلك قط، ونحفظ لهم وللرواد من حكامهم أنهم لم ينسوا ذلك، بل ظلوا يقولون أن ما كانوا يقدمونه للسودان والسودانيين، يفعلونه من باب رد الجميل، وهو عندنا جميل لا ننساه لهم أبدا مهما حدث ويحدث.
وقال صديقي الذي نقل لي غضبة السفير، أن أكثر ما يغضب السفير أنني في الوقت الذي اتحفظ فيه علي الدور الذي يقومون به لحل المشكل السوداني، أنني أدعو مصر لأن يكون لها دور أكبر في السودان، ويعتبر السفير هذا كيل بمكيالين، حتى أنه قال لصديقي واصفا موقفي هذا، ومستنكرا له، بقوله “حلال علي بلابل الدوح، حرام علي الطير من كل جنس” وأقول أيضا أنه ليس من حق السفير أن يغضبه هذا، ففضلا عن حريتنا في بلدنا في إختيار الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين، نقول للسيد السفير أن مصر للسودان، ليست آخر، فمصر والمصريون منا ونحن منهم، نحن شعب واحد في بلدين، مصر أخت بلدنا الشقيقة، فأي دولة تحاول أن تقارن نفسها بمصر، أو أن تقيس مكانها في قلوب السودانيين بمكان مصر سوف تخسر خسرانا مبينا، وأقول للسيد السفير أن بلده وشعبه، وحكومته محل تقدير وإحترام عظيمين عندنا نحن أهل السودان، لكنه لا يضع نفسه ولا بلده في محل مقارنة مع أولاد النيل أشقاء الشمال الحميمين، وفوق ذلك فإن مصر فضلا عن ما يجمعنا معها من روابط وعري لا تنفصم، فإن مصر والسودان تحدياتهم واحدة، ومشلاتهم واحدة، ومصيرهم مشترك، وإذا اشتكت الخرطوم تداعت لها القاهرة بالسهر والحمي، وكذا الحال عندما تشتكي القاهرة، ثم أن مصر دولة راسخة، ولها قيمها وتقاليدها الثابتة، وهي عارفة بشاننا مثلما نعرف شؤونهم، ونثق فيهم ثقتنا بأنفسنا، فامسك عليك غضبك معالي السفير، ولا تدخل نفسك وبلدك في مقارنات خاسرة، ونحن نحفظ لكم من التقدير والاحترام ما يكفي ويزيد، ونشكر لكم محاولات سعيكم بيننا بالخير، ولكن كما يقول المثل أهل مكة أدري بشعابها” والسودان مكتنا، ونحن أدري بشعابه، ونقول لك مع وافر التقدير والاحترام، ما بدأت به الحديث، وصدرت به هذا المقال “البلد بلدنا ونحن أسيادها”