مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) ..*(الخرطوم – الرياض) رباط العقيدة والمنافع المتبادلة
حتى في أحلك الظروف السياسية التي أظهرت خلافاً في التوجهات بين “الخرطوم” و”الرياض”، لم تؤثر تلك الخلافات في متانة العلاقات الشعبية والقديمة بين السودان والسعودية ، والأمثلة والنماذج كثيرة ، ومنها أن فتوراً شاب العلاقة بين البلدين الشقيقين بدايات الانقلاب المايوي في العام 1969م ، على خلفية التوجهات اليسارية لنظام الحكم الجديد في الخرطوم ، وأصبحت المملكة العربية السعودية ملاذاً آمناً للمعارضة السودانية وقياداتها من الأحزاب والكيانات الأخرى ، لكن بلا نشاط يذكر للمعارضين السودانيين هناك ، ولجأ كثيرون إلى المملكة العربية السعودية لسببين إثنين ، الأول أنها هي الأراضي المقدسة التي لن يضام فيها أحد ، والثاني هو تفهُّم القيادة السعودية – على مر تاريخ العلاقة بين البلدين – لطبيعة الإنسان السوداني ، وقربه الدائم إلى الدين الحنيف ، وذلك غير أن المملكة العربية السعودية نفسها تعتبر إحدى أكبر محطات العمل لكثير من السودانيين الذين إضطرتهم الظروف السياسية والإقتصادية ، إلى أن يضربوا في الأرض ، ميممين وجوههم تلقاء مكة المكرمة وما حولها لتفتح أمامهم أبواب الرزق والعمل في كل أنحاء المملكة العربية السعودية الشقيقة ، ثم تحسنت العلاقات بعد أن تغيرت إتجاهات البوصلة السياسية في “الخرطوم” ، وحدث تعاون مثمر أفاد البلدين كثيراً في مختلف المجالات ، ونذكر الإعلان عن إنشاء الهيئة السعودية السودانية لإستثمار ثروات البحر الأحمر ، وكان أول أمين عام لها سوداني هو الدكتور زكي مصطفى ، وهي ثروات مهولة ، حتى إن الكثيرين من العلماء يطلقون على تلك الثروات المحددة والمعروفة إسم ” كنوز البحر الأحمر ” ولا نعرف حتى الآن الأسباب التي أدت إلى وأد فكرة الإستثمار المشترك ، وموت المشروع الكبير .
لم تتأثر العلاقة بين الشعبين طيلة عهود الحكم الوطني في السودان منذ الإستقلال ، وظلت المملكة العربية السعودية تمثل البعد الديني والقيمي والأخلاقي للسودان مثلما هي كذلك لبقية دول وأقطار عالمنا الإسلامي …..
وتذبذبت العلاقة السياسية ما بين السودان والسعودية ما بين قوة وضعف خلال فترة حكم نظام الإنقاذ الممتد لثلاثة عقود ، وتأرجحت ما بين التماسك والتفكك لأسباب مختلفة خضعت لتقديرات دواوين وأروقة الحكم ، لكنها لم تصل إلى درجة القطيعة أبداً.. وعندما تغيرت إتجاهات البوصلة السياسية في السودان من إيران إلى حيث شقيقاته العربيات والسعودية قطعاً في المقدمة ، حدثت انفراجات في هذه العلاقة وتمتنت الأواصر وقويت الروابط في كل المجالات ، حتى أن حجم الاستثمارات السعودية الفعلية بالسودان بلغ إحدى عشر مليار دولار أمريكي بالتمام والكمال، بينما هناك خمسة عشر مليار دولار في انتظار أن تتم ترجمتها إلى واقع إستثماري يمشي بين الناس في الفيافي والبوادي والأودية والمزارع والغابات .
أزمة الخليج الأخيرة التي كانت قائمة ما بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ودولة البحرين ومصر من جهة ودولة قطر من جهة أخرى ، لا نحسب أنها أثرت على علاقة البلدين ، خاصة وأن دور السودان ومنذ بداية الأزمة كان ولا زال دوراً توفيقياً بين الأطراف المختلفة ، متبنياً المبادرة الكويتية لإحتواء هذه الأزمة التي نسأل الله أن تكون عارضة.. وستظل العلاقة بين البلدين الشقيقين – السودان – والسعودية – نموذجاً للقوة والرباط الشعبي الوثيق ، وليس أدل على ذلك أكثر مما قامت به المملكة العربية السعودية قبل أيام عن طريق سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان سعادة السفير علي بن حسن جعفر ، بمحاولة مثمرة لجمع شمل القيادات السياسية السودانية ، في طريق حل الأزمة التي تهدد وحدة البلاد و إستقرارها وتماسكها ، وذلك من خلال الإجتماع بين طرفي الخلاف في منزل السيد السفير ، وبحضور مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية ، وبحضور القائمة بالاعمال في سفارة واشنطون بالخرطوم .
نكتب هذا المقال اليوم بمناسبة لقاء ثان دعا له سفير خادم الحرمين الشريفين بالخرطوم معالي السيد “علي بن حسن جعفر” يجمع بين العسكريين وبين قوى الحرية والتغيير سعيا وراء إيجاد مخرج من الأزمة التي تعاني منها بلادنا ، ونرى في الأفق بوادر نجاح لصدق النوايا ، ولشجاعة الطرح ، ووضوح الرؤية لدى كل طرف .
ومع كامل الشكر والتقدير وعظيم الامتنان للمملكة العربية السعودية ، ولكل الميسرين ومسهّلي هذه اللقاءات ، فإن الواجب يتطلب منا أن نشكر المكون العسكري ، وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ، لأن جلوس الطرفين ، يعني الإعتراف بأن هناك أزمة ، والتفاوض هو الطريق لتجاوز المطبات التي تعيق الوصول إلى إتفاق .
Email : sagraljidyan@gmail.com