مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. «الهوية».. قضيتنا الأهم ..
ستظل قضية الهوية هي الأهم في مجمل قضايانا الوطنية ، وهي ببساطة الإجابة على سؤال واحد محدد يطرح على مجموع أهل السودان ، ويجيب كل واحد على حدة، ولكن الإجابة تكون واحدة .. والسؤال هو «من أنت؟» .. الإجابة المرجوة هي: «أنا سوداني».
الشعراء والمفكرون والمثقفون والساسة وأهل الصحافة والإعلام من المفترض أن يكونوا قادة لمجتمعاتهم ، وأن تكون لهم نظرة بعيدة شاملة حول قضية الهوية ، وكثير منهم في العادة متقدمون في فكرهم وطرحهم وتعاملهم وسلوكهم حتى داخل المحاكم ولحظات الإعدام .. فمثال لذلك محاكمة البطل علي عبداللطيف ، الذي سأله القاضي الإنجليزي لحظة محاكمته في أعقاب ثورة 1924م ، وقال له ما حفظناه جميعاً : «الإسم» فرد بـ «علي عبد اللطيف» .. وزاد على ذلك سؤالاً آخر هو : «الجنس» ، فرد البطل العظيم : «سوداني» وحاول القاضي أن يرده عما ذهب إليه ، فقال له : «أقصد قبيلتك» فكانت الإجابة «القاضية» هي ذات الإجابة: «سوداني».
دخل علي عبد اللطيف التاريخ من عدة أبواب ، إذ دخل أولاً من باب إنشاء جمعية هي في حقيقة الأمر تنظيم سياسي وفكري كان له ما بعده ، ثم دخل من باب معرفته ووعيه المتقدم بفائدة العلاقة مع مصر ، حيث حدّد هدفاً سامياً هو « وحدة وادي النيل » .. ودخل من باب وحدة الوجدان والإحساس بالمواطنة الحقّة عندما قال بأنه “سوداني”.
خلّدنا الضابط البطل علي عبد اللطيف بأن أطلقنا إسمه على أحد شوارع الخرطوم، ثم على إحدى المدارس ، وقمنا بحذف بطولته من كتب تاريخنا المعاصر .
ومن أمثلة التمسك بالهوية والإحساس القوي بـ «البلد» و«الناس» كانت هناك نماذج عديدة نذكر منها صمود الرائد هاشم العطا ـ رحمه الله ـ لحظة سوقه إلى «الدروة» لتنفيذ حكم الإعدام عليه، فلم يهتز ولم يبكِ ، بل ظل ورفاقه صامدين ثابتين في مواجهة الموت ، وكل منهم يعلم أن ذلك هو مصير الأولين والآخرين .. فابن آدم وإن طالت إقامته فإنه حتماً سيكون في يوم من الأيام «على آلة حدباء محمول» أو كما قال الشاعر: ـ كل ابن أنثى وإن طالت إقامته .. يوماً على آلة حدباء محمول
لذلك تمسك الرائد هاشم العطا بمواقفه وثبت عليها حتى آخر لحظة من حياته ، بأن ظل يهتف «عاش السودان حراً مستقلاً».
نحن في حاجة إلى إدخال مادة التربية الوطنية في مقررات أبنائنا الدراسية ، والتركيز على قضية الهوية ، التي تعني مساواة الجميع حكاماً ومحكومين في الحقوق والواجبات بحكم المواطنة .. ولكن تظل إحدى أكبر مشاكلنا «بطء تنفيذ» القرارات السياسية ، أو «سوء ترجمتها» إلى واقع .