مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بعْدٌ .. و .. مسَافَة)..جلسة في منزل حبيب …*
وأما حبيب أعلاه ، فهو الأخ الكريم والصديق العزيز ، والزميل القديم الأستاذ صلاح حبيب ، الذي أحب الصحافة وتفرغ لدراستها في مصر قبل سنوات عديدة ، وهو رجل ودود عالي التهذيب ، وهذه واحدة من صفاته الحميدة ، الى جانب حرصه على أن يجمع حوله أصدقاءه وزملاءه ، متى ما وجد إلى ذلك سبيلاً .
وكان قبل يومين قد إحتفى بزميلنا الصحفي الأستاذ حامد أبكر ، الذي هاجر للعمل في دولة قطر قبل عدة سنوات ، وكان زميلنا الأستاذ حامز من أميز الصحفيين الذين عملوا في وكالة السُّودان للأنباء ، وقد إختطفته إحدى الصحف القطرية الكبرى ، مع آخرين ، لكنني أحسب أن من أقدم الصحفيين الذين هاجروا إلى الدوحة زميلنا الأستاذ بابكر عيسى ، فقد هاجر حال إلتحاق صاحبكم بصحيفة الأيام الغراء إبان العهد المايوي ، في آخر سبعينيات القرن الماضي ، وأوائل ثمانينياته ، وقد الأستاذ بابكر عيسى نجماً من نجوم صحافة ذلك الزمان .
إحتفى الأستاذ صلاح حبيب بزميلنا الأستاذ حامد أبكر ، والذي كان آخر لقاء بيني وبينه منتصف التسعينيات ، وكنا كثيراً ما تجمع بيننا المناشط والمؤتمرات والندوات ، وهو من أبناء دارفور الأوفياء ، فما أن يصل إلى الخرطوم في إجازته السنوية ، إلّا وتجده قد شد الرحال إلى الفاشر ، ومنها إلى قريته القريبة منها .
إجتمعنا على مائدة غداء سودانية خالصة ، ومعنا صهر صديقنا الأستاذ صلاح حبيب ، الأستاذ فتح الرحمن مبارك ، ويا سبحان الله ، لم تستغرقنا الأمور الشخصية ، فقد وجدنا أنفسنا نتحدّث في الشأن العام ، وفي الشأن الصحفي ، وضرورة إيجاد مظلة واحدة تجمع أهل الصحافة رغم ما تعانيه الصحافة الورقية من عثرات وتحديات ، قد تقضي عليها تماماً في أقرب فرصة ، إذا لم يتم تدارك تلك الموانع ، ولكن العزاء يصبح في الصحافة الإلكترونية ، أو صحافة التلفون كما يسميها البعض ، وهذه نفسها تعاني للأسف الشديد في بلادنا من الضبط المهني ، ومن ضعف شبكات الانترنت لمختلف الشركات العاملة في هذا المجال ، وقد صدر تقرير عالمي مؤخراً ، كشف عن أن السُّودان يعتبر في الموقع الرابع قبل الأخير من حيث ضعف شبكات الانترنت .
جلستنا تلك تطرّقت لموضوع الهجرات التي شملت كل الشّباب في مختلف المجالات ، خاصة إلى دول الخليج وأوروبا ، وهو ما نرى أنه يضعف البلاد بفقدها هذه الثروة البشرية ، التي تفتح الباب أمام لجوء آخرين من دول الجوار القريب المباشر ، أو من دول الجوار البعيد غير المباشر .
أذكر أنني كنت عضواً في المجلس الإستشاري لوزير الداخلية ذات يوم ، وقد تم عرض تقارير خطيرة عن حجم اللاجئين و أعدادهم في السُّودان ، وكان عددهم قد بلغ قبل خمس سنوات نحو ستة ملايين لاجئ ، وقد بلغ العدد الآن حسب ما توفر لي من معلومات نحو إحد عشر مليون لاجئ ، بزيادة خمسة ملايين خلال خمس سنوات فقط .
إحتفاء الأستاذ صلاح حبيب بالصديق والزميل الأستاذ حامد أبكر ، تحوّل إلى جلسة مدارسة ومناقشة لقضايا كثيرة ، ومن أخطرها التغيير الديمغرافي في الخارطة السكانية للبلاد ، خاصة وإن أكثرنا يهاجر إلى حيث يجد عمله دون أن يتحسّب إلى يوم عودته ، نحن نهاجر ولا نغترب ، وقد ضربت مثلا لذلك إن أحد الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في جماهيرية القذافي التي عملت فيها لمدة أربع سنوات ، قد وجدت أنه هاجر إلى ليبيا قبل الثورة كما كان يقول ، أي منذ عهد حكم الملك السنوسي ، ولم يعد للسودان قط طوال فترة وجوده في ليبيا ، بل توفي ودفن هناك .
نخشى على أبنائنا من نتائج الإغتراب الطويل ، وعلى أبنائهم ، ونخشى على بلادنا من أن تصبح بلاداً لآخرين .. بوضع اليد .
شكرا صلاح حبيب فقد جاء هذا المقال من وحي تلك الجلسة التي كنا نحتاجها بحق .