*مصطفى ابوالعزائم* يكتب في (بعْدٌ .. و .. مسَافَة).. لا نريد دولةً فاشلة .. كفاية ..!
حسناً فعل الثوار الشّباب عندما رفعوا شعارات ثورتهم ، مطالبين فيها بالحرّية والسلام والعدالة ، وحسناً فعلوا عندما طالبوا بمدنيّة الدولة ، فكلنا مع مدنية الدولة ، إلّا أولئك الذين أرادوا إفراغ الكلمة من معناها السّياسي ، وقصدوا إبعاد المؤسّسة العسكرية والقوى الأمنية ، عن المشهد تماماً ، على أساس إن الدولة المدنية هي دولة السياسيين وزعماء الأحزاب والناشطين ، أصحاب المرارات والحسابات الخاصة مع المؤسّسات العسكرية والأمنية .
نعم البعض أراد ذلك ، في حين أن الدولة المدنية هي دولة القانون ، وهي دولة المؤسّسات ، والمؤسسات هنا هي الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وهي مؤسسات المجتمع المدني بمختلف صورها ، من منظمات وقبائل وقيادات أهلية ، ومؤسسات رياضية وثقافية وتربوية ، ومؤسسات إقتصادية تعمل على نهضة الإقتصاد وحمايته في ذات الوقت لصالح الوطن والمواطن .
بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، وبعد توقيع الإتفاق على الوثيقة. الأولى قبل التعديل ، تفاءلنا خيراً ، وحسبنا أن الواقع سيتغير بحجم الأحلام والطموحات ، خاصة وإن الذي قامت به القوات المسلحة السودانية ، لم يكن إنقلاباً على النظام السّابق فحسب ، بل كان إنحيازاً للثورة والثوار ، ولم يكن هذا بالأمر المستغرب ؛ وعندما تولّى الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قيادة الجيش بحكم التراتبية العسكرية ، وتولّى رئاسة مجلس السيادة الإنتقالي ، تفاءلنا خيراً بذلك لأن الرجل يفهم مقاصد الفترة الإنتقالية ، ويعرف ما له وما عليه ، لكن مصيبتنا ومصيبة بلادنا تجيئ دائماً من جهة السّاسةِ المدنيين الذين لا يرون إلّا مقاعد السّلطة ، والتي هي مدخلهم لتنفيذ أجندتهم السّياسيّة والعقائدية والحزبيّة الخاصّة ، لذلك كان الفشل هو مصير الحكومة الإنتقالية الأولى ، ولم تستطع القيام بواجبها في تأسيس مؤسسات الدولة ، ووجد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ، نفسه محاصراً ومقيداً من قبل قوىً سياسيّة ظلت على الدوام ترى أنها المحرّك الفعلي للثورة والثوار ، وإنها هي الأحق برسم سياسات البلاد والتخطيط لها والتنفيذ ، دون الإعتراف بالآخرين ، وهو ما قاد إلى فشل حمدوك في الحكومة الإنتقالية بنسختها الأولى ، وهو ما دفع قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول البرهان إلى تصحيح مسار الثورة بقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي ، وهو ما أدى إلى إنزواء رئيس الوزراء في منزله ، ليس إحتجاجاً على الخطوة كما بدا للنّاس وقتها ، ولكن حتى تمر العاصفة ، وحتى يستبين موقف الشارع من الأحداث ، وقد ثبت لاحقاً إن الخطوة التصحيحيّة تلك كان قد تم الإتفاق عليها مسبقاً .
الآن يهدّد الفاشلون بالإبتعاد والقفز من المركب بعد أن فشلت كل محاولات تكوين الوزارة وتكوين مؤسسات الدولة المدنية .. نحن لانؤيد وجود الفاشلين على رأس السّلطة أبداً ، لأن وجود الفاشلين على رأس القيادة في الدولة ، لا يقود إلّا لصناعة دولة فاشلة ، ونحن لا نريد لدولتنا أن تكون دولة فاشلة .. كفاية .
Email : sagraljidyan@gmail.com