*بُعْدٌ .. و .. مسَافَة* *مصطفى ابوالعزائم* *نافع يدفع الثمن أكثر من مرة!*
للحقيقة لم يكن لي معرفة شخصية سابقة بالدكتور نافع علي نافع قبل المفاصلة التي وقعت بين فصيلي الحركة الإسلامية السودانية ، مع بداية الألفية الثالثة ، وكنت أتساءل إن كان للرجل علاقة بإزاحة زعيم الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي عن الواجهة ، سواءً من رئاسة المجلس الوطني ، أو من موقع الموجّه أو المرشد العام لنظام الإنقاذ ، وقد علمت لاحقاً أن الدكتور نافع لم يكن وراء ما حدث وإنه ربما فوجئ مثل الكثيرين بالإجراءات التي تم إتخاذها في ذلك الوقت ، وقد علمت لاحقاً من قيادي بارز في المؤتمر الوطني ، إن سبب المفاصلة كان هو منع نشوء إزدواجية إتخاذ القرار ، إضافة إلى قضية إنتخاب ولاة الولايات ، إذ كان الشيخ الدكتور حسن الترابي يرى أن يتم إختيار الولاة عن طريق الإنتخابات المباشرة ، وهو ما لايراه الفريق الآخر الذي يرى أن يتم ترشيح ثلاث شخصيات تقدم أسماؤهم لرئيس الجمهورية ليختار واحداً منهم للمنصب ، وتصبح الكلمة لرئيس الجمهورية ، وقد حدث نقاش كثير حول هذا الأمر لينتهي بالمفاصلة . علمت وقتها إن الدكتور نافع علي نافع لم يكن من المجموعة التي عملت على الإطاحة بالشيخ الترابي ، والذي يبدو أنه علم بتفاصيل ما كان يجري في الجانب الآخر ، فلم يهاجم الدكتور نافع بكلمة ، بل وصف الدكتور نافع ب ” الفي قلبو في لسانو .. ” وهو تعريف صريح بأن الدكتور نافع رجل واضح وصريح ولا يعرف المواقف الملتوية والمتذبذبة حال كثير من الساسة وأهل الحكم . عرفت الدكتور نافع بعد ذلك وراففته في أكثر من سفرية خارجية كانت بالنسبة لي مفتاحاً لمعرفة هذه الشخصية القوية ، وقد كان يواجه خصومة خفية داخل حزبه غير ما يكنّه له خصومه من عداء نتيجة الغيرة السياسية وربما الحسد . رافقت الدكتور نافع إلى القاهرة منتصف أكتوبر من العام 2010 م وهي زيارة كان لها ما وراءها خاصة بعد أن إلتقى بمدير جهاز المخابرات العامة الراحل عمر سليمان ، وكان من نتائج تلك الرحلة إغلاق مكتب حركة العدل والمساواة في القاهرة قبل أن يتم افتتاحه رسمياً ، ورافقته في رحلة إلى الصومال عن طريق إثيوبيا وكان يقود وفداً رسمياً لتقديم معونات وإغاثة للشعب الصومالي الشقيق ، حقيقة كان الرجل دائماً في مناطق الشدة لمعالجة قضايا ساخنة . واشنطن كانت تعرف قدرات الرجل ، فقدمت له الدعوة بصفته نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ، إذ أن متخذي القرار في واشنطن كانوا يعلمون أن رئيس الدولة وقتها ما كان يستطيع زيارة الولايات المتحدة الأمريكية ولا كثير من الدول الغربية بسبب الإتهامات الموجهة له من قبل المحكمة الجنائية الدولية ، لكن العاصمة الأمريكية كانت تعلم أن الدكتور نافع هو أحد أبرز مساعدي الرئيس السابق البشير ، بل ويعد أحد أقوى مساعديه ، فكان أن تمت دعوته للقاء عدد من متخذي القرار ومسؤولي العلاقات الخارجية في دوائر البيت الأبيض والبنتاجون ، والكونغرس بمجلسيه ومراكز البحوث والدراسات المتصلة بكل تلك المؤسسات . كان الدكتور نافع علي نافع داخل حزبه شخصية يحسب لها ألف حساب. ، فالرجل دقيق يتابع التفاصيل والمعلومات ويحلل ويستنتج ما هو قادم في ساحات العمل السياسي من أحداث بحكم معرفته بكل الساسة المؤثرين . كنت أقول لبعض الأصدقاء والزملاء إن الدكتور نافع سيواجه حرباً شرسة داخل حزبه بسبب موقفه من إعادة ترشيح الرئيس السابق عمر البشير لرئاسة الجمهورية ، وقد بدأت المؤامرات تحاك في السر والعلن ، وكانت الحرب الضروس التي أطاحت بالنظام كله ، وللتاريخ فقد كان للرجل موقفاً واضحاً في المعالجات التي كان يقوم بها النظام ، حتى أنه قال لي ذلك ونحن داخل سرادق العزاء الخاص بالراحل شريف التهامي رحمه الله ، وكانت ثورة الشباب في أوجها ، وأذكر انني قلت له إن الذي بدأ لن ينتهي إلا بزوال النظام . الآن الدكتور نافع علي نافع يدفع ثمن مواقفه أكثر من مرة ، مواقفه داخل حزب المؤتمر الوطني خاصة من إعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة ، وموقفه من التكتلات العرقية والجهوية التي سعى البعض للإحتماء بها ؛ ثم هاهو يدفع الثمن مرة أخرى بسبب مواقف خصومه من الأحزاب والتنظيمات والقوى السّياسية الأخرى ، لأنهم يعرفون أثره وخطره السياسي عليهم وعلى قواعدهم ، لذلك نرى أن إحتجازه الآن قد تجاوز الأربع سنوات ، ولازال يقبع وراء القضبان لكنه أكثر صموداً وقوةً ممن رموا به هناك ، وقد تأسفت كثيراً انني لم ألتق به في إحدى زياراتي لسجن كوبر ، لكنني إطمأننت عليه من أبنائه الذين كانوا يسجلون له زيارة في ذلك اليوم . نأمل أن نطبق شعارات الثورة ( حرية سلام وعدالة ) لذلك أما الإفراج عن المعتقلين واما المحاكمة ، لأن الذي يحدث الآن هو ظلم كبير .. و .. الظلم ظلمات . Email : sagraljidyan@gmail.com