(بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. *مصطفى ابوالعزائم .. الجيش .. في ذكرى أكتوبر
الآن وبعد الثورة الشعبية في السودان ، وبعد أن بدأت بلادنا في التعافي السياسي بعض الشيء ، وبعد أن تقاربت المواقف بين القوى التي حملت السلاح في مواجهة النظام السابق ، بصفته ممثلاً للدولة ، والتئام شمل كثير من القوى السياسية والعسكرية التي كانت تعارض النظام السابق ، لابد لنا من أن نقف وقفتين ، الأولى وقفة تأمل ومحاسبة للنفس ومعها تساؤل مشروع عن الأسباب والدوافع التي جعلت الأخ يرفع السلاح في وجه أخيه ، والثانية وقفة مراجعة للمواقف التي كانت .. والتي لم يخسر فيها إلا الوطن .
نعم خسر الوطن أبناءه وخسر اللُحمَةَ الإجتماعية التي كانت مضرب مثلٍ لتماسك شعبنا بين الأمم ، وخسرت بلادنا استقراراً كان يمكن أن يقود إلى تنمية بشرية ومادية عظيمة نحن أشدّ ما نكون لها في ظلِّ تنامٍ بشري كبير ومضطرد ، وهذا الذي حدث يطرح على الجميع سؤالاً جوهرياً حول الأسباب التي أدت إلى عدم انفراط عقد الوطن ، بعد أن ذهب جنوبه كاملاً دون إرادة شعبه في الشمال أو الجنوب خدمةً لأجندةٍ شخصية لدى البعض وفكرية وعقائدية لدى بعض متخذي القرار ، وربما خدمةً لأجندة خارجية وغربية أو إقليمية لا تضع لإرادة الشعوب اعتباراً .
الإجابة على ذلك السؤال سهلة و بسيطة لكل ذي بصر وبصيرة ، وهي أن القوات المسلحة السودانية والتي ظلت ومنذ تأسيسها وتكوينها تعبِّر عن إرادة الأمة جمعاء ، كانت هي صمام الأمان الذي أمسك ببلادنا من الإنزلاق إلى مهاوي الفرقة والشتات والفوضى ، وقد لعبت قواتنا المسلحة السودانية دوراً عظيماً على مر التاريخ في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية حدودها وصيانة حقوق المواطن السوداني ، مما أكسبها ثقة المواطن غير ( المؤدلج ) وغير المنتمي إلا لتراب هذا الوطن العظيم ودينه وموروثاته وقيمه وتاريخه التليد ، ولم تخيب القوات المسلحة السودانية آمال هذا الشعب في يوم من الأيام ، بل كانت تعبِّر دائماً عن إرادته وتطلعاته وتفاجئ العالم دائما بأنها مع الشعب وقتما أراد ، لذلك كانت لها وقفاتها المشهودة في استقلال السودان ، وفي لجوء الساسة لها في نوفمبر من العام 1958م ، عندما صعب عليهم الأمر فلجأوا إلى قيادة القوات المسلحة لتخرج بالبلاد من أزمتها السياسية وقتذاك ، ولم يخيب قادة القوات المسلحة آمال الساسة ليتولوا بعد ذلك قيادة البلاد ، ولكن بعد المعالجات غير السياسية لبعض القضايا الكبرى ومن بينها قضية جنوب السودان ، خرج الناس على حكم الفريق إبراهيم عبود ورفاقه الميامين ، وكان لضباط الجيش السوداني الدور الكبير في نجاح ثورة أكتوبر 1964م .. ثم حدثت تطورات سالبة في الأداء السياسي أدت إلى تدخل بعض ضباط الجيش للانقلاب على النظام الديمقراطي بقيادة العقيد وقتها جعفر محمد نميري ، رحمه الله مسنودا بقوى اليسار التي سرعان ما انقلب عليها ، ليفتح الباب أمام قوى سياسية أخرى كان قد ناصبها العداء وواجهها بالحديد والنار ،وكان للجيش على الدوام دور مؤثر في مجريات الأمور ، حتى أذِن الله لنظام نميري بالذهاب عبر ثورة شعبية عارمة إنحاز لها الجيش في السادس من أبريل عام 1985 م ، والتي كانت نقطة فاصلة في تاريخ البلاد .
لم يهنأ السودانيون كثيراً بالديمقراطية ، إذا سرعان ما إنقلب فصيل سياسي عليها وإستولى على السلطة لثلاثين عاماً حدثت فيها متغيرات كثيرة وتقلبات عديدة ، ما بين انجازات كبيرة ، واخفاقات إنتهت بنهاية النظام في الحادي عشر من أبريل عام 2019 م بعد ثورة شملت كل انحاء البلاد وضحى فيها الشباب بأرواحهم حتى تكللت بالنجاح وذهاب النظام كاملا ، وما كان ذلك ليكون لولا تدخل القيادات الواعية في اللجنة الأمنية والقوات المسلحة والأمن والشرطة والدعم السريع ، في الوقت المناسب .
ما حدث مؤخراً ويحدث الآن ، يؤكد على أهمية تدخل الجيش في الوقت المناسب لحماية الوطن والمواطن ، لذلك نجدد مطالبتنا بما نادينا به من قبل بأن يكون لقواتنا المسلحة دوراً في مستقبل حكم البلاد ، وأن يتم ذلك عن طريق تضمينه في الدستور المرتقب حتى ننتهي من مسلسل الرعب والإقصاء ومحاولات تهميش القوة الوحيدة التي تدين بالولاء للوطن وتعمل على حماية معتقداته وقيمه ، وتحمي أهله دون منٍّ أو أذى ، والتي تتدخّل دائما عند الشدائد ، وفي الوقت المناسب.
Email : sagraljidyan@gmail.com