مصطفى ابوالعزائم .. (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. ** *عاد أبوهاشم .. عاش أبوهاشم !*
لقاءاتي بالحسيب النسيب مولانا محمد عثمان الميرغني ، تكاد تكون معدودة ، لكن أبرزها كان بالعاصمة الأريترية أسمرا في الرابع عشر من أكتوبر عام 2006 م ، مع بدايات الأسبوع الثالث لشهر رمضان المعظم في العام 1427 هجرية ، وكانت المناسبة هي التوقيع بين حكومة السودان وبين جبهة الشرق ، برعاية الحكومة الأريترية ، بل برعاية مباشرة من الرئيس إسياس أفورقي .
وتربطني بالجنرال أمين عثمان أمين مدير مكتب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ، علاقة قديمة وطيدة وقوية ، منذ أن ترافقنا في رحلة إلى المملكة المغربية ، وكان هو ضمن وفد السيد جعفر الصادق الميرغني ، وكنت صحفياً ألبي دعوة الحكومة المغربية للمشاركة في مؤتمر الصوفية العالمي قبل عدة سنوات ، وهو ما وثق علاقتي أيضاً بنائب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي السيد جعفر الصادق الميرغني .
لعب مولانا محمد عثمان الميرغني دوراً رئيساً ومهماً في تلك إتفاقية سلام الشرق ، التي أنهت أكثر من ثلاثة عشر عاماً من العمل المسلح على حدود السودان الشرقية ، وكان مولانا محمد عثمان الميرغني يجلس بين الرئيس السابق عمر البشير وبين الرئيس الأريتري إسياس أفورقي ، هادئاً وقوراً وسعيداً بما إنتهى إليه التفاوض ، وأذكر أنني توجهت نحوه وزميلي الصحفي الكبير الراحل الأستاذ كمال حسن بخيت ، فمدّ يده إلينا وأمسك بيد كل مننا لفترة مع إبتسامة ودودة كانت تعبر عما في نفسه .
لم يكن جديداً على السيد محمد عثمان الميرغني ذلك الدور العظيم الذي لعبه حتى أصبح السلام حقيقة ، فقد عرف عنه أنه رجل سلام ورجل مواقف منذ عهد بعيد ، وهو من أبرم ذلك الإتفاق الأشهر في نوفمبر من العام 1988م ، والذي مشى بين الناس بإسم ( إتفاقية الميرغني/ قرنق ) وهي إتفاقية لو كُتٍب لها أن تتنزل إلى أرض الواقع ، لإختصرت سنوات تفاوض إمتدت حتى العام 2005م ، ولما كان جنوبنا الحبيب قد إنفصل ، فالإتفاقية لم تشر إلى إنفصال .
ظل السيد محمد عثمان الميرغني ، من المناصرين بقوة وبلا تردد للقوات المسلحة السودانية في كل الأوقات وهناك تجربة تحرير الكرمك وقيسان من أيدي قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان ، خلال فترة الديمقراطية الثالثة ، والتي دفعت بمولانا إلى الإتصال بعدد من القيادات العربية لنصرة السودان ، ومده بالسلاح اللازم ، وهو ما أسهم في تحرير الكرمك وقيسان ، وجعل جماهير الإتحاديين والشعب السوداني يملأون الشوارع بالهتاف العفوي ( حررت الكرمك .. يا عثمان .. وحررت معاك كمان قيسان ) وهو ما دفع بالعقيد جون قرنق إلى التوقيع على إتفاقية الميرغني قرنق في نوفمبر من العام 1988م .
الآن قام السودانيون بإستقبال خبر عودة مولانا محمد عثمان الميرغني ، ليس بصفته راعياً ورئيساً للحزب الإتحادي الديمقراطي ، بل بصفته رمزاً وطنياً كبيراً ظل مكانه شاغراً ، وظلت حكمته وحنكته مرجوة مطلوبة ، منذ أن غاب عن وطنه منذ أكثر من تسع سنوات ، خاصة وإن بلادنا تحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها إلى أصحاب الرؤى الوطنية الشاملة ، الذين يخرجون من عباءات أحزابهم وطوائفهم إلى عالم أرحب وأوسع ، هو الوطن كله ، ومن بعده المؤسسات التي تحميه وتحافظ عليه ، وفي مقدمتها القوات المسلحة السودانية ، والتي تمثل وحدة الوطن ووحدة أبنائه ، ومعها كل الأجهزة الأمنية ، ومؤسسات الخدمة العامة بعيداً عن التسييس والتصنيف ، وحق لنا أن نهنئ شعبنا الأبي الكريم وجماهير الحزب الإتحادي الديمقراطي ، بعودة أحد آباء الديمقراطية في بلادنا ، وحق لنا أن نهتف: ( عاد أبوهاشم .. عاش أبوهاشم )
Email : sagraljidyan@gmail.com