(وطن النجوم) … علي سلطان .. السودان يسع الجميع
نشأنا منذ صغرنا على حب الطريقة الختمية، وكانت حياتنا في طفولتنا متعلقة بها.. وبقراءة المولد والبراق في كل مناسبة دينية وخاصة اذا زارنا احد أجدادنا من خلفاء السيد علي الميرغني رحمه الله، وكنا في طفولتنا نسعد بذلك حيث تكون هناك مظاهر احتفالات في البيت من مداحين وذبيحة احتفاء بالضيف الكريم وقبل العشاء شاي باللبن ولقيمات.. وتتاح لنا الفرصة لقراءة المولد مع الكبار.. كانت تلك ليالٍ حلوة لا تُنسى.
وكان بجوارنا في حي مربع 7 شندي فوق منزل مخصص لانشطة الختمية مثل قراءة الَمولد وأنشطة شباب الختمية وهو لواء شبابي اشبه بالتنظيم العسكري من حيث الحركات العسكرية او الرياضية المنتظمة التي تؤدى مع ايقاعات الطبول و هم يحملون اعلام الختمية الخضراء بزيقها الاحمر على حامل فضي يشبه مئذنة المسجد.. ولكن لا يحملون اسلحة قط، وعادة مايكون قائد هؤلاء الشباب رجلا متمرسا مجيدا لهذه الحركات الرياضية وكانه مايسترو الفرقة، ثم ليالي المديح التي تقام عدة مرات خلال السنة، وعادة ما يأتي مادحون مشهورون من الخرطوم لاحياء ليالي المولد النبوي ومناسبات اخرى. وكان ذلك البيت واظنه بيت جعفر الامين مفتوحا يوميا للضيوف وتقدم فيه الوجبات الثلاث والشاي مجانا لكل عابر سبيل.
كان أجدادي رحمهم الله، محمد النجيب خليفة للسيدعلي الميرغني واماما راتبا للمسجد في قوز هندي في القرير لعقود، وجدي عبدالله النجيب كان ملازما للسيدة او الست مريم في سنكات لعقود ايضا، وجدي محي الدين النجيب سكرتيرا للسيد علي الميرغني في فترة ما قبل ان يسافر الى مصر ثم يعود ليعمل بالتدريس ناظرا في عدد من مدارس شندي والقرى المجاوة مثل جبل ام علي وقوز بره.. الخ
وكان ابي وامي رحمهما الله مناصرين للطريقة الختمية وعلى السكين لا يرضيان كلمة واحدة في حق المراغنة. وكانت مدينة شندي والقرى حولها مناطق مقفولة في الانتخابات للحزب للاتحادي عدا بعض القرى وبعض الشخصيات والعائلات المعروفة في شندي المدينة.
حين دخلنا الثانوي وبدانا نتعرف على حياة مختلفة وافكار مختلفة ثم القراءة الحرة في شتى فروع المعرفة الانسانية، بدانا نسلك سلوكا مغايرا اغضب اهلنا واعتبره البعض طريق كفر صريح!!
لم يمنع تعاطفنا مع الختمية او حتى النأي عنها في المرحلة الثانوية من قراءة حرة للفترة المهدية ولحياة وسيرة الامام محمد احمد المهدي رحمه الله، والتاثر باستقلال السودان على المهدية وحربها المقدسة ضد المستعمر.. ولكن لم يكن حزبا الامة والختمية جاذبين لنا لكي نمضي في ركابهما طائعين.. وليس ادل على عدم جاذبيتهما لشباب ذلك الجيل هو
الانشطار الاميبي الذي الذي حدث لكلا الحزبين فاصبحا طرائق قددا..!
ولكن في الشان العام والخاص وعندما يمتد بك العمر قليلا، تكون هناك مراجعات كثيرة واعادة نظر في كثير من الأمور والقضايا الخاصة والعامة التي قد تجنح بك الى مرافئ وشواطئ جديدة او بعيدة.
اجد نفسي الان متصالحا مع كثير من الامور كنت اجدها في شرخ الشباب من المحرمات.. ثم اجد ان التعصب والتنمر والاعتداد الكاذب بالنفس والعنصرية والجهوية يخصمان كثيرا من رصيد الوطن والحياة.. واوقن ان مقولة ان السودان يسع الجميع هي الاصلح والابقى للسودانيين، وان هذا السودان لن يتمكن احد من حكمه منفردا ولن يستطيع.
(إن اكرمكم عند الله اتقاكم) .