(بُعْدٌ .. و .. مسافة) .. مصطفى أبو العزائم .. رحلة البحث عن عدو..
ليس السودان وحده الذي سيعيش حقبة سياسية جديدة بعد التوافق الوطني والتأسيس لمرحلة ما بعد الإتفاق المطلوب من قبل أبناء هذا الشعب الذي عانى كثيراً بسبب صراعات الساسة على السلطة ، والسعي نحو مقاعد السلطة والحكم دون إستحقاق ، فالعالم كله الآن يعيش الفترة التمهيدية لحقبة عالمية جديدة ، ستبدأ بعد إنتهاء الحرب الروسية الأوكرانية إن تم حسمها خلال هذا العام الجديد ، وهو أمر متوقع .
وبهذه المناسبة فإن الكثير من الأنظمة تنجح في صناعة أعدائها من خلال توهّم العدوان عليها ، أو تعمل على صناعتهم تنفيذاً لمخططاتها السياسية والأمنية وصولاً لأهداف إستراتيجية وعليا تعمل من وراء تحقيقها إلى إحكام قبضتها على ذلك العدو ، أو على إقليمه وما حوله ، وربما يكون النموذج الأوضح والأبرز في هذا الشأن هو موقف الغرب المسيحي من الإسلام ، رغم أن الكثير من الدول الغربية (الديمقراطية) جعلت من الصليب رمزاً لها وشعاراً في أعلامها وراياتها السياسية ، هي لعبة الدهاء والمكر لتحقيق الأهداف ، ولم تكن في يوم من الأيام ميادين لطيبي النوايا والدراويش والذين يحسنون الظن في الآخرين ، لذلك فإن الأذكى هو الذي يبقى أطول فترة في مقاعد الحكم ، لكن الذكاء إذا لم يتجدّد من خلال تجديد العناصر البشرية القديمة بأخرى شابة ، سيتحول إلى غباء يهدم في ساعات ما بناه العقل في سنوات.
واستمالة الشعوب لنصرة الحكام هي واحدة من أدوات البقاء في السلط ة، وسقي قلوب الشعوب بماء الخوف من المجهول هو أيضاً أحد العناصر التي تطيل من أعمار الأنظمة ، مثلما كان يحدث في الأنظمة الديكتاتورية والمركزية الغاشمة ، والمجهول دائماً هو عدو إفتراضي ؛ ربما كان غير حقيقي أو ربما كان موجوداً لكنه لا يُشكّل خطورةً تذكر على نظام الحكم .
قبل فترة نشرت صحيفة (الإندبندت) البريطانية إن إسرائيل قد بدأت بالفعل في تغيير تعاملها مع ال(12) دولة التي صوّتت ضد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية من ضمن ال(14) دولة في مجلس الأمن ، ومن بينها بريطانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا والسنغال والجابون ونيوزيلندا ، وقد إعتبرت إسرائيل أن ما قامت به هذه الدول عملاً عدائياً يهدّد وجودها واستمرارها كدولة .
هذه سابقة تجعلنا نؤكّد على أن العالم مقبل على مرحلة جديدة وحقبة سياسية لا تشبه سابقاتها ، ويجئ ذكر ذلك في وقت اعتبر فيه البعض أن منظمة الأمم المتحدة ليست أكثر من نادٍ سياسي للكلام والترفيه .. وتقول بريطانيا في ذات الوقت إنها كسبت أكثر من (35) مليار جنيه إسترليني نتيجة إنسحابها من الإتحاد الأوروبي ، وذكرت على لسان مسؤوليها الكبار أنها بصدد توسيع معاملاتها مع دول شرق آسيا وعلى رأسها الصين .
يقول علماء النفس إن صناعة العدو جزء من علم النفس السياسي ، لتأثير هذا التصور على المشهد السياسي العام ، ويتم إستخدامه دائماً من قبل الأنظمة الذكية عبر أجهزة إعلامها واستخباراتها ، بهدف تماسك مجتمعاتها المحلية ، أو ما يسمى بالجبهة الداخلية أمام التحديات التي تواجهها .. وأكّدوا على ذلك بما رسمته أصابع قوات الحلفاء من صور شائهة لهتلر وللنازية ولكل حلفائه في دول المحور ، وهو ما أدّى إلى تماسك الجبهات الداخلية في دول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية .
زال “هتلر”.. ومن معه فبدأت صناعة عدو جديد حقيقي أو متوهم لا يهم ، هو النظرية الشيوعية مقابل النظرية الرأسمالية.. وسرعان ما إنهار العدو الشيوعي بعد نحو سبعين عاماً ، لتبدأ مرحلة بحث عن عدو جديد ، توفرت ظروفها الموضوعية بعد أحداث (11) سبتمبر وبدأ الغرب يصنع صورة جديدة للإسلام ، على إعتبار أنه يجمع بين التهديد والتعصب والدموية ، وقامت أجهزة المخابرات الغربية بدعم جماعات إرهابية لتصبح الصورة حية وماثلة أمام العالم ، وهو ما ضلّل الرأي العام العالمي وجعله يغض الطرف عن التجاوزات الأمريكية والخروقات والتمييز العنصري ، والبعد عن كامل حقوق الإنسان وجميع الحقوق المدنية بإسم مكافحة الإرهاب.
2023 م ، عام جديد لكنه يحمل معه أسس حقبة سياسية عالمية جديدة 2023 م ، نتمنى أن يكون عام خير وسعد وسلام .
Email : sagraljidyan@gmail.com