فضل الله رابح يكتب في (الراصد).. داعش تطرق أبواب جبرة .. لمبة الخطر الحمراء
إلي وقت قريب كان الحديث عن قضايا الإرهاب في السودان أكثره محصورا في تقارير المخابرات والأجهزة الأمنية وكان المنهج المتبع هو إسلوب المراقبة الناعمة التي برع فيها جهاز الامن والمخابرات الوطني وهو تتبع حركة وتنقل هذه الجماعات الارهابية من دولة لدولة ومن محيط لمحيط ليتم القبض عليهم بكل يسر وبلا خسائر ..وحتي مذبحة مسجد الجرافة التي حدثت عام 2000 على أعضاء جماعة أنصار السنة في المسجد في الجرافة، حيث كان المسلح الوحيد عباس آل باقر عباس (عباس الباقر عباس) وهو عضو في تنظيم التكفير والهجرة، حيث اطلق النار ببندقية كلاشنكوف أثناء صلاة العشاء ، وقتل فيها 22 شخصا وإصابة أكثر من 30 آخرين قبل أن يقتل هو برصاص الشرطة دون أي خسائر وسط الأجهزة الأمنية .. إن حداثة إستشهاد ضباط جهاز الأمن وأفرادهم أثناء أداء واجبهم و مداهمتهم لـ خبراء القتل والتفجير العابرين للحدود الذين طرقوا أبواب الخرطوم بعد أن كسروا حصار الخوف ودخلوا في تحدي جديد مع الأجهزة الأمنية سبب ذلك كله مواقف الحكومة الداعمة والمتماهية مع حالة المجون والمثليين والدعارة حتي وزير الإرشاد الذي إحتسب الشهداء هو واحدا من أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب وروح الدواعش نتيجة خطابه الديني المتطرف علي الاسلام و المتماهي مع الخطاب الداعي لاهمال الاسلام الوسطي المتمثل في التصوف والمشيخات والكيانات العقدية ودعوته لبروز الاديان والمعتقدات الوضعية الاخرى لكسب رضا الغربيين علي الرغم من أن الامريكان كانوا قد حذروا النظام الحاكم بعدم هز الاسلام الوسطي وإضعافه في السودان الا أن هذه المواقف الحكومية المتماهية مع دول الاتحاد الاوربي إلي جانب إضعافها القوانين وعدم توفيرها الحماية السياسية والقانونية للاجهزة الأمنية جميعها عوامل
جعل الاجهزة وافرادها أكبر هدف للجهاديين والارهابيين.. ومعلوم هذه الاجهزة التي لحق بها الضعف كانت تعمل في الماضي بكفاءة وصمت وحكمة وتؤدي واجبها تجاه مراقبة نشاط هذه الجماعات الجهادية بعيدا عن الأضواء .. كانت هذه الاجهزة في السابق قد اعدت كوادرها لهذه المهمة وهم
يديرون حوارا ونقاشا مع الارهابيين ويتتبعونهم عن كثب ولديهم تعاون كبير مع كل دول العالم في محاربة ظاهرة الارهاب والغلو والتطرف بيد انهم اليوم يواجهون معادلة صعبة حيث إستغل الإرهابيون حالة السيولة الامنية بالبلاد وضعف الدولة المركزية في السودان الي جانب تدفق المخابرات العالمية الكبير علي السودان فتوافد الداعشيون علي السودان وبالطبع ان القنبلة الإرهابية العنيفة التي إنفجرت في وجوهنا جميعا أمس بجبرة والتي راح ضحيتها خيرة شباب السودان ظلت هذه القنبلة تتنقل منذ شهور داخل السودان وبالطبع مثلها كثر يتنقلون الان في المدن والاحياء والخرطوم وهم ينتظرون اللحظات المناسبة ليقتحمون الأبواب المغلقة ناهيك عن الحيشان المفتوحة إذا إعتبرنا أن البدايات كانت من شققههم في جبرة فأخشي أن تستمر أفعالهم دون أن يتم تحليل الظاهرة وبذورها التي ألقيت في أرض كانت محروسة بقوة .. السؤال كيف وصل ببلادنا الحال حتي تتأهب لإستقبال هذا الغرس الإرهابي العنيف والمخيف والمحزن في نفس الوقت .. ?? واضح أن حالة التساهل الأمني التي حدثت بعد الثورة تحت سقف الحريات قد شجعت هؤلاء الارهابيون في التدفق نحو السودان وبعدما كان السودان دولة عبور بات دولة مقر وتنفيذ عمليات نوعية وأن أشد ما أخشاه ان يتدفق علي السودان ما يطلقون علي انفسهم ( الجهاديين ) الذين يقاتلون في سوريا الان حيث كانت بداياتهم من الاردن والعراق وبدرجة أقل لبنان لكن الحال في السودان بات شبيها للاوضاع في سوريا ومتوقع يتم تواصل لهؤلاء الارهابيون مع مجموعات تقيم في السودان والخوف أن تتدفق مجموعات شمال افريقيا علي السودان عبر الحدود المفتوحة والمتابع يلحظ ضمن الاسماء المعلنة ومقبوض عليهم نيجيريا .. إن كره النظام الحاكم في السودان حاليا ورسائله المتماهية مع العلمانية و التي بلغت كل الدنيا سوف تصب الزيت علي النار الي جانب نجاح مجموعة جبرة الارهابية وقتلها لافراد الجهاز العزل بأمر السلطة الحاكمة هي أمور مشجعة لتنامي ظاهرة الارهاب وتجنيدها اذا لم يردعوا ولابد من دعم جهاز المخابرات العامة لصقل تجارب منسوبيه وتحصينه ومنع حالات الهجوم التي بدأت التشكل ضده ومن أفواه مسؤولين كبار مثل صلاح مناع الذي طالب بحل الجهاز وإلغائه عن الوجود وهو لا يدرك الأدوار و الاعمال العظام التي ظل يقوم بها جهاز الامن لكن بحكمة وقدرة الله جاء الرد سريعا ليثبت أهمية وجود هذا الجهاز وتقويته لانه يمثل واحدا من دروع الوطن الواقية ومن شروط ضمانات نجاح الفترة الانتقالية وعبور تحدياتها وقد خسر الذين راهنوا علي إضعافه والاعتماد علي غيره في الوظائف والتحليل واعداد التقارير .. إن ملخص ما حدث في جبرة أمس هو مؤشر إنتباه مهم لتقنين اوضاع الجهاز ( ذاكرة الوطن ) وأهمية أن تسترد له ثقة المجتمع المحلي والاقليمي والدولي فيه وإزالة كل الألغام من طريقه والمحافظة عليه والعودة الي الجهاز الذي عرف عند الآخرين وإسترداد كافة مسئولياته في الإشراف علي ملف الإرهاب وعلي إدارة منظومة التعامل مع المتطرفين لأنه يمثل المؤسسة الأكفأ في جمع المعلومات وتحليلها ومعرفة تفصيلاتها والا أن السودان سيختطف عنوة من قبل هؤلاء الدواعش وسيغرق في اثار حرب المليشيات المتشددة وسيتضرر من موجة ضربات وتفجيرات اخري لهذا الكيان الأخطبوطي الإرهابي ولابد من فعل أوله رد الإعتبار لجهاز المخابرات العامة الذي ألحقت به التهم وتمكينه من التسلح لحماية الامن القومي وحماية نفسه هذا قبل كل شئ .. إن الذي حدث في جبرة جنوب الخرطوم هذه بدايات إذا لم ينظر لها بعين الإعتبار فإن امام السودان مشوار طويل من التحديات والمهددات وعليه عبورها في حال لديه الرغبة الحقيقية والرؤية الإستراتيجية للبقاء مع الدول الكبار .. وأن التهديد الداعشي الذي بدأ حتي الان خافتا من جبرة رغم الخسائر فهؤلاء يراهنون علي موازين القوي المسلحة بالمنطقة عموما والسودان خصوصا سيما أن داعش تجيد اللعب علي كل الحبال وتعتمد في حمايتها علي خطاب الحكومات المتطرف وحالة المجتمعات المنقسمة والمتطرفة سياسيا وإجتماعيا ودينيا .. وهذه كلها عوامل متوفرة في السودان حاليا ..