مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بعْدٌ .. و .. مسَافَة).. إليكم جميعاً قبل أن تذهب ريحكم ..!
والمخاطبة لكل الحاكمين ، والمحكومين ، للذين تمكّنوا ولمن ينازعونهم السلطان ، نقول لهم جميعاً ، ما قال به المولى عز وجل ، في سورة الأنفال : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا ، وتذهب ريحكم ، وأصبروا إن الله مع الصابرين ) الآية 46 .
الذي يريد أن يحكم عليه أن يعمل على العمل بالوثيقة الدستورية ، وألّا يفصّل ما جاء فيها وفق هواه ، والذي يعارض عليه أن ينتظر نهاية الفترة الإنتقالية المرتبطة بالإستحقاق الإنتخابي .
الآن نرى مشهداً مرتبكاً ، وصراع على المكشوف ، ليس بين المكوّن المدني والعسكري فحسب ، بل داخل المكوّن المدني نفسه ، ويكفي أن إعلان قوى الحرية والتغيير ، الذي كان يضم أكثر من سبعين من القوى السّياسيّة ، تقلّص إلى أربعة مكونات فقط ، وقد أسماهم خصومهم ب ( عصابة الأربعة ) بزعم أنهم اختطفوا الثورة من صانعيها .
لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه هو صانع ثورة ديسمبر في السُّودان ، هي ثورة الشّباب التي إنقاد لها الشّباب ، وقد تنبأت شخصياً بهذه الثورة في أبريل من العام 2018 م ، ولم أُخفِ توقعاتي حتى أمام رئيس الجمهورية السّابق ، ونحن في ولاية النيل الأبيض ، وشهودي على ذلك كل الوفد الرسمي الذي كان يرافقه في تلك الرحلة ، حتى إن أحد الزملاء عاتبني ولامني كيف أتحدث إلى الرئيس بتلك الجرأة ، ورددت عليه بأنه هو الذي سألني عن انطباعاتي عن تلك الرحلة ، وهذه قصة طويلة يمكن أن تُروى في يومٍ من الأيام ، ولا ندّعي بطولات زائفة كما يحاول البعض الآن .
أقول قولي هذا ، وقد كًنتُ ضمن مجموعةٍ من الزملاء ، شهدنا مؤتمراً صحفياً لمجموعة نداء البرنامج الوطني ، يوم الثلاثاء في مقر سكنى الدكتور التجاني السيسي ، وهو أحد أركان التحالف الجديد مع قيادات أخرى من بينها الدكتور بشير آدم رحمة ، والمهندس عبدالله مسار ، وآخرين ، وكنت حريصاً على تلبية الدعوة والمشاركة في المؤتمر الصحفي ، خاصةً في هذه الظروف الحرجة ، بالغة التعقيد ، التي إن لم نتعامل فيها بالحكمة ، سنظل بقية أعمارنا نادمين على وطن عزيز ، ضاع منا وتشظّى ، وهو ما نرى أنه سيحدث في أقرب مما كنّا نتوقّع أو نتصوّر .
لا يظنن أحد أنه هو المفوّض بإسم هذا الشعب للحديث نيابة عنه ، فالتفويض لا يتم إلّا عن طريق صناديق الاقتراع ، كما نطلب من الحكومة الإنتقالية أن تتعامل وفق متطلبات المرحلة ، فهي إنتقالية محدّدة المهام ، وغير منتخبة حتى تتخذ قرارات مصيرية ، ونحن نرى ونسمع أبناءنا وبناتنا ، وهم يتذمرون ، ويشكون لطوب الأرض أن ثورتهم لم تعد هي ثورتهم ، ونعلم إن بعض القوى السياسية لم تصدّق أنها وجدت فرصتها في الحكم _ دون تفويض _ لترعى في حقول الدولة وكأنها ملكية خاصة ، تريد حصاداً دون أن تزرع شيئاً ، حتى كأنه ينطبق عليها قول الشاعر :
إذا هبّتْ رياحُكُ فإغتنمها
فإن لكل خافقة سكونا .
المشهد السياسي المرتبك الآن يتطلب إعادة ترتيب أساليب الحكم ، وإعادة ترتيب أعمال الدولة ، ويتطلب العمل بجد وإخلاص من أجل تأسيس مؤسسات الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية ، بأعجل ما يكون ، وألّا … فإن النتائج معروفة ، ولكن أكثرنا لا يعلمون و .. لا يتعلمون من التجارب .
الآن علينا العمل بأسرع ما يمكن أن نتجه إلى تشكيل حكومة إنتقالية جديدة ، لا تكون لها علاقة بالأحزاب والمحاصصات الحزبية ، نريد حكومة برنامج وطني محدّد يقودنا إلى الإنتخابات التي لا يريدها الكثيرون ، لكن لا مفر ، وألّا فإن بلادنا ستصبح ذكرى (!) .