أسمار المساء.. وكوابيس السياسة !
بعد .. و .. مسافة
مصطفى ابوالعزائم
أسمار المساء.. وكوابيس السياسة !رغم الظروف الخاصة والإستثنائية
التي تعيشها بلادنا هذه الأيام، ورغم الأجواء السياسية المتوترة، ومع كل التوقّعات والإحتمالات التي قد تعيدنا ألف خطوة إلى الوراء ، لم أستطع أن أرفض دعوة الإعلامي الشاب، الإذاعي المثقف ومقدم البرامج ، المحاور النجم “عماد البشرى” عندما إتصل عليّ طالباً أن أكون ضيفاً على إذاعة المساء من خلال برنامجه الأسبوعي عالي الإستماع “أسمار المساء”.. لم أرفض طلب الإبن الكريم الأستاذ عماد البشرى، رغم أنني اعتذرت قبل دعوته هذي بيومين عن أن أكون ضيفاً في إحدى إذاعات (الإف إم) وأن أكون ضيفاً في إحدى الفضائيات، لا لرأي في الإذاعة تلك ولا في الفضائية، ولا في مقدمي البرامج ، وقد شكرتهما لأنها أحسنا الظن بي ، لكن الذي يحدث في بلادنا هذه الأيام مخيف ، ومرعب ، إن سار في اتجاه العنف والعنف المضاد ، خاصة وإن هناك مقدمات لهذا من خلال العنف اللفظي والذي هو مقدمة للعنف الجسدي ، والذي قد يقود إلى مواجهات بالسلاح ، وهو أمر غير مستبعد ، فقد ساوى السلاح بين الشجاع والجبان ، لأن الأخير يختبئ وراء سلاحه ويضرب ضربته ويهرب ، ويحسب أنه منتصر .
رغم هذه الظروف الموضوعية التي منعت صاحبكم من أن يشارك في برنامجين أحدهما إذاعي والثاني تلفزيوني ، إلا أن لإذاعة المساء مكانة خاصة في آذان كثيرين ، وللإبن عماد مكانة رفيعة وخاصة لدى مستمعي هذه الإذاعة من خلال برامجه التي يعدها ويقدمها، ومن بينها (عشة صغيرة.. عمادها الحلنقي) والتي يؤرخ فيها لمسيرة شاعرنا الفخم الضخم الصديق العزيز الأستاذ إسحق الحلنقي، و يا لها من مسيرة غنية بالمشاعر الفياضة، والحب الدفاق ، وقد نجح المحاور المبدع عماد في إستنطاق الحلنقي ، وجعله في مقام الجالس على كرسي الإعتراف العاطفي ، منذ بواكير الهوى الأول في مراتع كسلا الوريفة، ومنابع توتيل التي لا تنضب .
إتفقنا على حلقتين ، وسجّلنا أولاهما يوم السبت السادس عشر من أكتوبر 2021م ، وجلسنا قبل التسجيل لدقائق ، فطلب إليّ الإبن عماد ان تكون الحلقات ثلاث بدلاً عن حلقتين ، فلم أمانع ، وتم التسجيل ومن بعده تمّ البث مساء الثلاثاء التاسع عشر من أكتوبر ، وكنت أعرف مدى إنتشار مساحة الإستماع لإذاعة المساء، لكنني لم أتصور أن يكون بذات (الشكل) و(الصورة) الذي والتي وصلا به إليّ من خلال الاتصالات الهاتفية التي لم تنقطع حتى يوم الأربعاء ، إذ أن ذات السهرة تعاد عند التاسعة صباحاً .
أعادني الأستاذ عماد إلى ماضي الذكريات النضر المضيء، وإلى أيام النشأة والتكوين ، وأيام الدراسة ، فوجدت أنني أعيش بمعنويات شاب أو قل صبي في مقتبل العمر ، وأيقظ ذلك اللقاء تصورات صاحبكم لما يؤمن به من أفكار وقناعات سياسية لا تقصي أحداً ، ولا تضطهد فكراً ، بل تنفتح على الجميع، حتى أنني أعدت لذاكرة الذين نسوا أو تناسوا ، أدوار رجال عظماء من أبناء هذا الشعب الكريم أنتجوا أفكاراً سياسية مبدعة ، مثل المفكر الكبير الراحل بابكر كرار رحمه الله ، مؤسّس الحزب الاشتراكي الإسلامي وجماعته المبدعة المكونة من الأساتذة الراحل ميرغني النصري، والدكتور ناصر السيد وعبد الله زكريا، أمدّ الله في عمريهما ، وقد أنتجت هذه المجموعة فكرة سياسية جديدة، وابتدعت فكرة (الجماهيرية) التي تقوم على قاعدة المؤتمرات الشعبية، وهي ذات الفكرة التي تبنّاها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ، الذي مرّت بالأمس في اليوم العشرين من أكتوبر، أول عشرية لمقتله – رحمه الله – وكان قد إستمع للراحل بابكر كرار في محاضرة داخل صحيفة الأهرام المصرية ، خلال إحدى زيارات القذافي الى مصر ، فأخذه معه بسيارته إلى ليبيا.. ومن هناك ظهرت أسس النظرية الجماهيرية.
شكرت إبننا عماد البشرى، وشكرت كل الذين إتصلوا عليّ مشيدين بالحلقة الأولى من الثلاثية الجديدة ، لكنّني كنت حزيناً لما أشاهد وأسمع في الشارع السوداني المختطف من قبل ساسة لا يسعون لتحقيق رفاهية شعوبهم ، بل يسعون إلى تحقيق أحلامهم الشخصية التي تحيل واقعنا إلى كوابيس مزعجة .