أعمدة

مصطفى أبو العزائم* يكتب في (بُعْدٌ.. ومسَافة) .. مطلوبات ما بعد لقاء البرهان السيسي في مصر …

من المؤكّد إن زيارة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السّيادة الإنتقالي إلى مصر ، ولقائه بشقيقه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ، قد ناقشت أخطر الملفات الأمنية التي تؤثر على إستقرار المنطقة كلها ، وليس وادي النيل وحده ، هناك اضطرابات في ليببا ، وذلك بسبب وجود حكومتين ، إحداهما يرأسها عبدالحميد الدبيبة ، والثانية يرأسها فتحي باشآغا ، ومن المؤكّد بالنسبة لأي مراقبٍ مُلِمٍ بطبيعة المجتمع الليبي ،أن يتوقع صداماً في لحظة بين المليشيات التي توزّع ولاؤها بين رئيسي الحكومة .
وهناك قضية سدّ النهضة الإثيوبي ، وعدم التوصل إلى إتفاق بين دول دول حوض النيل الثلاث ، السّودان ومصر وإثيوبيا ، إضافة إلى الحرب في إقليم التيقراي ، وأزمات النزوح واللجوء في المنطقة ؛ ثم أزمة التباعد السّياسي الداخلي في السّودان ، وغير ذلك من قضايا تهدد أمن المنطقة بل والقارة الإفريقية ، ثم قضية أمن البحر الأحمر ؛ والتي نعتبرها واحدة من القضايا المهمة ، خاصة مع التنازع الدولي على موانئ وسواحل هذا الممر المائي الإستراتيجي الأهم ، من المؤكّد إن هذه القضايا كلها قد تمت مناقشتها في لقاء ( البرهان / السيسي ) .. لكن في تقديرنا إن اللقاء قد ناقش وركّز على مبادرة السيّد محمد عثمان الميرغني ، الخاصة بجمع الشمل الإتحادي ، ولم الشمل الوطني .
ولأن العلاقة بين السّودان ومصر ليست علاقة جوار فحسب فإننا من هنا ندعو مراكز البحوث والمفكرين والخبراء والمختصين في شأن التعاون الإقليمي ، إلى العمل من أجل إحياء الأفكار القديمة المتصلة بالوحدة بين الشعوب التي تقف على أرضية ثقافية ولغوية واحدة، وهي أفكار تنزلت إلى أرض الواقع العربي والإقليمي خلال عهد حكم الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري” – رحمه الله – بمد جسور التواصل مع القيادة السياسية في كل من مصر وليبيا بداية سبعينيات القرن الماضي، مصر بكل ألقها وثقلها ووزنها السياسي خلال الحقبة الناصرية، ثم فترة حكم الرئيس “أنور السادات” – رحمه الله – وليبيا إبان توهج شعارات الثورة الجديدة فيها قبل الانحراف والانجراف للذات الذي قاده زعيمها الراحل “معمر القذافي”.
الآن.. وبعيداً عن إنفعالات العموم ، وبعيداً عن برود الخصوص والقيادات تجاه القضايا المصيرية الكبرى ، والتحدّيات التي تواجه الشعوب ، وحصر الأهداف الكلية في حماية الأنظمة وبقائها ، مع تحريك الآلة الإعلامية في إتجاه ريح السّياسة وما يريده السّاسة ، لا بد لنا الآن ، وبعد أن تكشّفت أطماع القوى العظمى في بلادنا ، وبعد أن ظهرت المخطّطات السرّية لإعادة تقسيم الشرق الأوسط و أفريقيا إلى مناطق نفوذ ، دون إعتبار لحدود أو شعوب ، أو أنظمة ، لا بد لنا من أن نعيد النظر في إعادة بناء علاقاتنا مع الآخرين ، خاصة في محيط الجوار الأفريقي والإنتماء الثقافي العربي الأفريقي معاً ، حتى نسقط تلك المخططات التي لا يهمها إن تشرّدت شعوبنا أو تشتت في أركان الدنيا المختلفة ، ولا بد لنا من أن نوكل الأمر لأهل الاختخصاص بعيداً عن الإنفعالات والعواطف ، وأن نوجّه طاقاتنا لحماية أقطارنا والحفاظ على مصالحنا ومصالح أشقائنا في الجوار .
لا نطالب بإعلان وحدة فورية سريعة حتى لا تنتهي بمثل ما بدأت فورية وسريعة ، لا بد لنا ونحن الآن دولة تسعى لأن تكون دولة مؤسسات وإختصاصات ، لابد لنا من أن نبحث عما يمكن أن يحافظ على مكاسبنا ومصالحنا ، خاصة مع الجوار القريب ، ونجيء بمصر نموذجاً ، سبق لبلادنا أن دخلت في تجربة نرى أنها كانت مثالاً طيباً ، خلال عهدي الرئيسين الراحلين “جعفر محمد نميري” و”أنور السادات” – رحمهما الله – هي تجربة التكامل ، وقد كانت التجربة ناجحة بكل المقاييس في مجالات الاقتصاد والحراك المجتمعي الحر بدون جواز سفر ، وتم تبادل للمنافع والسلع والخدمات ، ولم يكن التواصل يتم إلّا عن طريق النقل الجوي والنهري والبحري ، وقد تأسس الآن نقل بري من خلال أكثر من من فذ، قدم تسهيلات عديدة في حركة المواطنين والسلع بأقل تكلفة في المال والجهد والزمن ، لذلك نقول بأهمية أن تبدأ اللجنة المشتركة العليا ، وبقية اللجان الوزارية المتخصصة بدراسة سبل التواصل المفضي للمصالح المشتركة ، مع الإستعانة بالمفكرين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني حتى يصبح الشعار القديم ، (عاشت وحدة وادي النيل) واقعاً لا تاريخاً مضى. ولتبدأ منظمات المجتمع المني في البلدين الضغط على أصحاب الرؤى الضيقة والأفكار المريضة والعقول القاصرة، حتى لا يجدوا لهم مساحة في وسائل الإعلام، تهدم أساساً في لحظات رغم أن الذين شيَّدوه بذلوا مئات السنين من أجل أن يقوى وادي النيل، ويشد أزر بعضه البعض.. ولتكن الأبواب مشرعة مفتوحة أمام دولة جنوب السودان، وأمام أثيوبيا وليبيا وتشاد.. ربما أصبحنا قوة إقليمية يحسب لها العالم ألف حساب.. فقط علينا إحياء الفكرة القديمة وإنعاش الضمائر لصالح الشعوب.

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى