أعمدة

حالة قلم    محـمود النـور  “الرجم” و”عقوق” الإنسان 

في خضم إنشغال المواطن السوداني بمعاناته ونكباته، مع الغلاء الفاحش، والسيولة الأمنية، وآثار السيول والأمطار، وهاجس العام الدراسي الجديد، وإن تم تأجيل بدايته لأسبوعين، إضافة إلى أخبار الاقتتال القبلي الواردة من غرب دارفور، وقبلها من النيل الأزرق، وغير ذلك من مآسٍ، لكن من بين كل منغصات الحياة هذه، إنصرفت قِلة قليلة من “النسويات” وأدعياء حقوق الإنسان والمرأة “حماة الفيمينيزم” وحملة لواء “الأسرة العصرية” المتحررة من قيود الدين والأخلاق، وجد هؤلاء متسعاً لترف فكري ليقوموا بتنظيم وقفة احتجاجية، أمام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، للمطالبة بإلغاء عقوبة الرجم لجريمة الزنا، من القانون الجنائي السوداني. في الواقع  أنه لو كانت هناك “حكومة” صادقة، تطبق الشريعة الإسلامية وحدودها، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فترجم الزاني المحصن، وتقطع يد السارق، وتجلد شارب الخمر، لما تجرأ أمثال هؤلاء على تنظيم هذه الوقفة المُشينة ليطالبوا بإلغاء حد الرجم. وبالطبع، المقصود هنا، هو ليس حد الرجم لذاته، فتاريخ السودان الحديث، لم يسجل على الإطلاق تطبيق عقوبة الرجم، منذ العام ١٩٥٥ وحتى الان، مع أن القانون الجنائي “الوضعي” المعمول به، نص عليها، شأنها شأن حد الردة الذي لم يُطبق في السودان إلا في حق الهالك “صاحب الفكرة الجمهورية” في عهد الرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري” رحمه الله، وربُما تم تطبيق حد الرجم في عهد الدولة المهدية، والله تعالى أعلم. إذاً، هذه الوقفة المشبوهة الغرض منها في الأساس، استمرار حملات الطعن في الشريعة الإسلامية، وإعادة محاولات بعض المنظومات والمنظمات المشبوهة، الساعية لتجريف القيم الأخلاقية للمجتمع السوداني، والتي نشطت في فترة سابقة ثم خمدت بفضل عدم تجاوب الشارع معها، وبفضل تصدي الأئمة والدعاة لهذا الحملات. أعود وأقول، إن الشعب السوداني، والمواطن المغلوب على أمره، في هذا التوقيت بالتحديد مهموم بتفاصيل ومآسي، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يسعى إليه هؤلاء وينادون به، وهذا يعضد فرضية أن منظمي هذه الوقفة ينفذون أجندة لا علاقة لها بمصلحة السودان وأهله، شأنهم في ذلك شأن “قحت” التي جلست على كُرسي السُلطة في غفلة من الزمان، فانشغل مجلس وزراءهم بإلغاء قانون النظام العام، وحد الردة والخمر، وكرة القدم النسائية، وحقوق النوع وما إلى غير ذلك من “أمور هايفة” لم تمثل هم المواطن ولا شواغله. وغني عن القول هنا إن التظاهر والاحتجاج من أجل تعديل أو إلغاء قانون، هو أمر لا يحدث إلا في السودان، وفي زمن المهازل هذا بالتحديد، زمن اللا حكومة واللا تشريع، فالقوانين تجيزها البرلمانات المنتخبة، وتعكف عليها مراكز البحوث والدراسات وأهل الاختصاص، وفي البال أن حد الرجم مستمد بالأساس من الشريعة الإسلامية، وإن كان حوله جدل فقهي. عموماً، أقول لهؤلاء إن الأمر أبسط من أن تُنظم له الوقفات الاحتجاجية، وتطبع له المنشورات والملصقات، فقط عليكم الابتعاد عن “فعل ما يوجب الرجم” عندها ستكونون بأمان من أن يطالكم القانون الذي تطالبون بإلغاءه، وإلا فسنرى وقفات احتجاجية للصوص والقتلة وغيرهم من أصناف المجرمين، للمطالبة بإلغاء قوانين السجن والغرامة وحتى الإعدام، ولا أعتقد أن المفوض السامي لحقوق الإنسان سيرى غضاضة في ذلك. وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ .. فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا .. … ودُمـتُم سالمين

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى