بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب حسن آدم سائق الترحيل
ظروف قاهرة شغلتني عن حضور الاحتفال الذي نظمه بتعبير سياسي عريض ( أصحاب المصلحة ) لسائق الترحيل الخلوق جداً حسن آدم بمناسبة نقله من خط سير القاطنين شرق الخرطوم الى خط آخر، فمعرفتي بحسن آدم تمتد لسنوات قاربن الخمسة عشر منذ أيام طيبة الذكر جامعة جوبا، فعندما كنا صغاراً كان السودان كبيراً تزين أحد جوانبه مدينة جوبا التي تغنى لها يوسف فتاكي وعماد أحمد الطيب والنور الجيلاني ومحمود عبد العزيز وردد غناءهم كثيرون ونحن منهم .
إن ذلك التكريم المشهود كان عملاً مستحقاً لرجل سمح إذا تعامل أو اقتضى، متفاتي في عمله إلى أبعد الحدود، فقد لمسنا طيب تعامله ذاك وهو يقودنا إلى مكان عملنا في جامعتنا بحري سليلة جوبا، والجامعات القومية الأخرى التي كانت في ولايات الجنوب، أعالي النيل وبحر الغزال ورمبيك ،وفي الوقت الذي نجد كثيرين لا يردون على هواتفهم أو يعودون للتواصل بعد إنقضاء ما يشغلهم تجد حسناً يتصل عليك إن تأخر هو لأي سبب من الأسباب مثل ازدحام الطريق ونحوه ليجعلك تطمئن أن الترحيل قادم بإذن الله .
الرحلة مع حسن لها عدة مميزات ومنها مشاهدة كل ما في الطريق من أماكن ومحال نتيجة لانشغالنا عنها عند قيادتنا لسياراتنا الخاصة بالتركيز في السير على طرق وعرة كنا عندما درسناها في الجغرافيا بمراحل التعليم العام ظننا أن المقصود بذلك المناطق الخلوية، وإذا بنا نجد هذا في قلب عاصمة البلاد، فعدم الصيانة لسنوات استطالت يجعل من الأنسب أن تتبع تلك الطرق لوزارة الآثار بدلاً عن النقل وفي تقديري أن هذا هو الاصوب ،لقد أصبحنا نقتفي أثر شارع الأسفلت الممتد بين حفرة وأخرى لعلنا نجد طريقاً نسير فيه، وفي بعض الأحيان نعاني كارثة أخرى حين تختلط مياه الحنفيات والصرف الصحي فتضيف طيناً أسوداً ذو رائحة تذكم الأنوف.
ولعل من المفارقات المؤسفة أن أحد الأجانب قدم إلينا في رحلة عمل فجعلناه يزور أفخم المناطق عندنا لعله يخرج بانطباع جيد ولكنه عندما عاد إلى بلاده، فكر أن أول عمل سيقوم به عند عودته مرة أخرى، هو تنظيم حملة نظافة طوعية للخرطوم، وهو محق في ذلك فالعاصمة أصبحت كأنها منطقة عمليات حربية من شدة ما تنوء به شوارعها من مخلفات جميعها وضعت مع سبق الإصرار وليس مصادفة أو بفعل عوامل الطبيعة.
في مثل هذه الرحلات يمكنك الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث تجد اصحابك قد امطروك بسيل من الرسائل المستعملة وما عليك في هذا الحالة إلا أن ترد على أقرب رسالة بكلمات من عندك ثم ترسل للجميع إحدى تلك الرسالة المستعملة، وتباً لادارة الواتس فقد جعلت ارسال الرسالة لخمسة أشخاص فقط في المرة الواحدة بدلاً عن مائتين خمسين رقماً في فترة سابقة وكأنها لا تراعي أن الأصدقاء في هذا التطبيق كثر رغم أنهم في النائبات قليل، فقد تنشر على صفحتك نعياً مثلاً فتجد من يرسل لك شارة أعجبني.
كان الترحيل فرصة للاستماع إلى الإذاعة التي قلت متابعتنا لها في سياراتنا الخاصة فالسائق حسن يبدأ بها أولا ثم يطربنا بالاسطوانات التي يخفض صوتها بكل أدب وتهذيب إذا سمع أن مكالمة هاتفية قد أتت لأحد، في تلك الرحلات اسمتعنا الى برامج كانت أثيرة لنا لسنوات طوال، اتحفنا مذيعو برنامج صباح الخير يا وطني الذي كانت تقدمه سابقاً يسرية محمد الحسن متعها الله بالصحة والعافية، ويرافقها ذو النون بشرى وصلاح الدين التوم وصلاح الدين الفاضل والآن تقدمه ابتهاج قوي وآخرين، بعدها طالعنا مفكرة اليوم التي أوضحت لنا أن الإذاعة لا تزال تقوم بدورها في التوعية فهناك تنويهات من هيئة مياه ولاية الخرطوم وأخرى من هيئة التأمين الصحي وثالثة من الشركات الراعية للبرامج .
وعند استعراض الخارطة البرامجية لاحظت أن الكثير منها لا يزال مستمراً وكنت أعتقد أن ذلك الأمر ينطبق فقط على برنامج عالم الرياضة الذي ظللت اتابعه في الفترات القليلة التي استمع فيها لهنا أم درمان فذلك البرنامج دوماً يذكرني بالزمن الجميل حين كانت توزن نهايته مع صينية غداء العائلة مع الوالد والأخوة، ثم تتبع ذلك صينية الشاي اتباع النوافل للصلاة المفروضة، بعدها مباشرة نستمع الى نشرة الثالثة التي تحمل كل خبر مهم، نذهب بعدها إلى ميدان الكرة ونعود للمنزل بعد صلاة المغرب ونذهب إلى السوق الكبير لتناول شاي المغرب عند عبد العزيز أو علي حمدان بنكهة مقننة ممزوجة بالكاسترد الذي بموجبه يصبح اللبن نفسه وجبة عشاء، وقد انتبهت لتلك النكهة هذا العام شركة دال للصناعات الغذائية فأضافت لمنتجاتها اللبن المقنن.بعد مشوار السوق نعود للبيوت عقب أنسنا مع الأصحاب لنستمع إلى برنامج العالم هذا المساء من القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية مع أيوب صديق أو ماجد سرحان، لننام ونحن نعلم بعض ما يدور في الكرة الأرضية من أحداث .جزاك الله خيراً السائق المثالي حسن آدم فالرحلات معك ممتعة والأمنيات لك بالتوفيق في مقبل حياتك من مستحقة.