نجل الدين ادم يكتب في (مسالة مستعجلة).. خواطر فيل وابو العزائم
استوقفني ما خطه الاستاذ العلم مصطفى ابو العزائم في زاويته “بعد ومسافة” على مدى يومين عن محطات شاعرنا الكبير عبد المنعم عبد الحي الجنوب سوداني الاصل، الشمالي الهوى، ذكرنا ابو العزائم باعذب كلمات الراحل التى تغنى بها كبار الفنانين ومن بينها تلك الكلمات التي جملها بصوته الشجي عميد الفنانيين الاستاذ احمد المصطفى ، ” على ابن الجنوب ضميت ضلوعي”، معاني عظيمة سطرها شاعرنا في ذلك الوقت قبل ينقسم السودان الام الى شطرين.
عبر استاذ ابو العزائم عن الدلالات واطفى عليها من رونق سرده الجميل الراقي.
توقفت منذ فترة عن الكتابة بعد ان فارقنا الصحف الورقية باخر المحطات صحيفة المجهر السياسي الوريفة، ولنا فيها صولات وجولات في مشوار التوثيق لكبار الساسيين والعظماء من اهل السودان والتى كنا نحرص في صحيفة “المجهر” ان نعطيها مساحات ومساحات، ودابت على ان اسجل زيارات لتلك الاسر بنفسي تكملة لمشوار توثيقي بداته في الصحافة السودانية، ابو العزائم اعاد لي شجون هذا الفن الصحفي وحرك يراعي اليوم، ليكون شاعرنا عبد المنعم عبد الحي مصدر الهام لهذه الاسطر فقد دونت في مذكرتي ان اسجل زيارة لاسرته في منزلهم العامر بالخرطوم (٢) وانا في رحلة بحث عن منزل احد رموز بلدي وهو الاستاذ مبارك زروق وكانت المصادفة وفي رحلة البحث تلك ان اجد لافتة منزل شاعرنا وما كان لي الا ان اقوم بطرق الباب فكانت الاسرة خير دليل على سؤالي بعد ان وجدت منهم الترحاب، غادرتهم على امل العودة، ولكن تعلقت الاسباب ولم يسعفنا الزمن ، ولكن لنا عودة.
اعود لاستاذنا ابو العزائم والذي التقيته قبل اربعة ايام اثنيت على مقاله الشيق واخبرته بان اسرة شاعرنا عبد المنعم موجودة في الخرطوم وحكيت له كيف ان الصدفة قادني للمنزل وانا في مشوار توثيقي بين شوارع خرطوم (١) و(٢)، طلبت منه اي ابو العزائم المواصلة في الكتابة وطالبني هو الاخر كتابة سلسلة من جولات التوثيق مع الكبار لاهميتها، طلبي له لانني اعرف الرجل جيدا وقد تزاملنا في الغراء صحيفة اخبار اليوم لاكثر من (٤) سنوات، فعندما يعرج ابو العزائم للتوثيق والفن والادب فان له لقلمه طعم ومذاق مختلف تجبرك على الوقوف، وفي ذلك تحضرني ذكريات مفاوضات السلام الشامل مع الحركة الشعبية في كينيا وقتها وكان ابو العزائم موفدا للصحيفة للتغطية الصحافية حيث كانت كل صحافة العالم حضورا في نيروبي ومشاكوس ونانيوكي وغير من عواصم كينيا، احكي عن تلك الايام وابو العزائم نفسه سوف يتفاجا.
في تلك الجولة التفاوضية تعقدت الامور وتبادل الطرفان الاتهامات بمحاولة الخرق من خلال التصريحات للاعلام، فما كان من الوسيط الكيني سمبويا الا ان اصدر (فورمانا) منع فيه الطرفين الحكومة والحركة الشعبية من التصريحات الصحافية وقد كان الوسيط صارما في ذلك، فقد كان الالتزام بحجم صرامة الوسيط والتزم الجميع الا اللستاذ ابو العزائم الذي كان له طريقته كما الشيخ في استنباط الاخبار والتقارير امام مدفعية التعتيم.
كنا في قسم الاخبار اربعتنا زميلنا الخلوق عصام مدثر رئيس القسم والزملاء الاعزاء احمد سر الختم وعثمان مضوي وصلاح قسم على موعد مع تقرير ابو العزائم في المساء فقد كان يعطينا تفاصيل التفاصيل فما على اي منا اذا صادفت ورديته الا ان يحمل كمية من ورق ‘الجرنال” والاستعداد للكتابة والتى تصل في بعض الاحيان ل(١٢) ورقة تنهك منها اليد، كل منا كان يحمل الهم امام تقارير ابو العزائم المطولة وعند صدور قرار سمبويا ظننا ان ابو العزائم سيحزم امتعته ويعود الى الخرطوم ، ولكن التوقعات كانت غير ذلك ، استخدم ابو العزائم ناصية السرد القصصي التي يجيدها وهو يصور لنا كيف ان الراحل جون قرنق خرج من غرفة تاتفاوض مغاضبا ومهرولا تتبعه صيحات سمبويا وعلى عثمان محمد طه يلتزم الصمت، وتارة كيف ان على عثمان قطع جلسة التفاوض غاضبا وتحرك صوب غرفته وتارة حزم الحقائب ومرة اخرى كيف ان قرنق ومن خلفه تيم التفاوص التقى علي عثمان وفريقه في منتصف الطريق وتبادل التهاني والابتسامات والغفشات ما عده قلم ابو العزائم ان لحظة التوقيع قد ازفت ، ما لا يفوتني انه رغم التعتيم ومنع التصريحات زادت وريقات ابو العزائم التى يقراها لنا وكنا سرا نطلق على تقريره “خواطر فيل” فكان السؤال البديهي يا جماعة خواطر فيل على منو الليلة، واصدقكم اننا في هذه المرة الثانية رغم زيادة جهد الكتابة كنا نتسابق نحو (الخواطر) فقد كانت خواطر بحق يرسم فيها ابو العزائم الصورة كما ينبغي ويفسر التعابير بنحو المقصد الى ان كتب في اخر خاطرة عن عمق التحايا والسلام بالاحصان بين قرنق وعلى عثمان وقال انه يتوقع الافراج عن التصريحات بتصريح مفادة ان الاطراف اتفقت على كل شئ وان ايام او شهور قليلة تفصلنا على التوقيع النهائي وقد صدق حدسه فكان التوقيع الذي كان اول المبشرين به ابو العزائم.