بيانات

مستر اسبايسي (2) مذكرات مسافر.. الطريق إلى إيوو .. محمد امين ابوالعواتك


مجلة “مذاق خاص

طرق تقنيات إعداد الطعام بتلك النكهة القوية والأصيلة، تشير إلى عمق الموروث الإنساني الصيني في إعدادها كحضارة قديمة راسخة، حيث يقف الإنسان مذهولاً من ذلك التنوع اللا متناهي في أنواع وألوان الأطعمة والوصفات والبهار وغيرها.
والطعام الصيني معروف عنه استخدام مواد طازجة لمكوناته تجهز في الحال من مصدرها الخام، كالدواجن والأسماك، حيث تجلب مباشرة من الأقفاص أو أحواض السمك الزجاجية الكبيرة إلى المطبخ الذي يأسرك بنظافته وأدواته المستخدمة، وتلك الأقداح الكبيرة وهمة التقليب المستمر من ذلك الطاهي الماهر في الإعداد، وتظل إضافات البهار ونكهتها المتصاعدة مع الأبخرة هي سيدة الموقف.


هذه الإضافات التي هي في الغالب من أصناف البهار المجفف بطرق متوارثة وأصيلة تجعل الطعام دائماً محافظاً بل وأكثر قوة في الطعم والنكهة، لذا يكون أثره واضحاً ومباشراً في اللسان، ويغطي مساحة واسعة من حليمات التذوق، وسرعان ما يتدفق الطعم بالأنف وتشارك العيون في التذوق بأنهار الدموع كما حدث لي في الجزء الأول من هذه السلسلة في ذلك المطعم الذي لا ينسى في ذلك الشارع الجانبي في مدينة شنغهاي.

بعد أن انتهينا من تلك الأيام في شنغهاي الساحرة، كان موعدي مع هيلين وجو وجورج للذهاب معا بالقطار إلى المدينة التي يعرفها كل سكان العالم بمنتجاتها الصغيرة المختلفة المتنوعة التي احتلت كل ناحية في أي مجمع تجاري أو سوق في كل مكان في الدنيا، وهي ديار كل معدة صغيرة أو آلة أو قلم أو علاقة أو مشط أو طاقية، باختصار أي شيء صغير يدخل في الاستخدامات الشخصية أو العملية يصنع هناك في مدينة إيوو وأسواقها المدهشة العملاقة، وكل تلك الأسر الصينية المنتجة التي تقطن حولها.. قال لي صديقي جو ونحن نتهيأ للدخول: “فلتركز علي ما تريد يا صديقي فليس باستطاعتنا أن نزور كل المحال لأننا إذا قررنا ذلك سنحتاج إلى (10) سنوات للمرور عليها جميعها!”.
ركبنا جميعنا القطار المتجه إلى إيوو، وقصدت أن ألتزم بخيار ميزانيتهم على الدرجة الثانية لمزيد من معرفة البلاد وأهلها.

عربة القطار كانت مكتظة بأهل الصين من مختلف الأعمار لا سيما كبار السن، وكنت الأجنبي الوحيد، تميزني سحنتي السمراء كالشامة.. وتحرك القطار في الموعد تماماً وابتدأت الرحلة في تلك العربة الممتلئة وبدأت “ونسة” القطار مع الأصدقاء وسط تركيز كل تلك العيون الصغيرة وانتباهها إلى الحديث الذي يجري بلغة مختلفة، فكانت فرصة لمجموعتنا لتقوية التعارف وهو ما حدث بالفعل لتصير أسس علاقة مستمرة حتى اليوم وإن اختلفت التخصصات.

من المعروف أن كل وافد حديث إلى الصين تكون تجربة تناول الطعام باستخدام عيدان الطعام الصينية هي ما يثير انتباهه، مع عدم المعرفة وحرج الاستخدام، وهو ما حدث معي بالفعل باعتبارها الرحلة الأولى، لذا كانت فرصة الأكل في القطار مع صبر صديقي جورج عليّ في محاولات تعليمي المتعددة ولم أدر أن هناك عيوناً كثيرة كانت تراقب تحركاتي، وسط تفلت الطعام من قبضة العيدان في الطريق إلى الفم في كل مرة.
وأخيراً، أوشكت على إتمام المهمة إلا أن قبضة العيدان أفلتت قبل سنتمترات من الفم، وفوجئت عندها بكل عربة القطار تنفجر بالضحك بتلك الطريقة الصينية التي هي أقرب إلى القهقهات المكتومة.
مذاق خاص 2022
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى